قادرون على إصلاح ذات بيننا
إحدى الظواهر السلبية التي قد تنفع مؤقتاً ولكنها تضر في المستقبل، أن هناك من يوحي بأن «زمن السياسة والحوار قد ولى»... ويقابل هذا النوع من الطرح، كلاماً يقول إن الحل يكمن في القبضة الأمنية الحديدية، وإن على أولئك الذين لايوافقون على ذلك التوقف عن كل شيء، وأن لايضيعوا الوقت في الحديث عن الحلول السياسية والحوارات، بل إن هناك توجهاً حثيثاً لاعتبار الحديث عن الحلول السياسية وكأنه يشكل نوعاً من «الخيانة» للوطن.
وفي ظل الظروف التي تحكمها القبضة الأمنية الحديدية، فإن هناك من سيصفق كثيراً، إما رغبة في الاستفادة من الوضع المستجد، أو خوفاً ورهبة من الوقوع في دائرة الاتهام بسبب انتشار هذه الإيحاءات غير السليمة.
لا أعتقد أن مشكلتنا قد طرأت في أشهر أو أسابيع مضت، وإنما هي مشكلة أعمق بكثير، وربما لايمكننا التوصل إلى حل بين عشية وضحاها، وربما نحتاج إلى التفكير على المدى غير القصير. ولكني أعتقد أن المسار الذي ينبغي علينا المضي فيه يجب أن يكون مختلفاً كثيراً عن الفترة الماضية، وعن الفترة الحالية التي بدأت منذ منتصف شهر أغسطس/ آب 2010... وإذا كنا نريد لأبنائنا وأحفادنا أن يعيشوا في بيئة أفضل، تنعم بالأمن المصحوب بالحريات والرخاء والمساواة في بحرين عزيزة وشامخة، فإن أمامنا الكثير لنعمله، وهذا الكثير ينطلق من خلال العمل السياسي الذي يقف عند حدود الوطن، والذي ينظر إلى جميع مكونات المجتمع بنظرة واحدة، ويتطلع إلى أفق مشترك .
ولو ألقينا نظرة على وضعنا الحالي، فهو سيئ عندما نقارنه بالوضع قبل رمضان بالنسبة للحريات العامة، ولكنه أفضل بالنسبة إلى الأمن الداخلي. ولكننا نعرف أيضاً من تجارب الإنسانية أن تحقيق الأمن من دون حرية يقود إلى الدكتاتورية والبطش والرعب، كما نعلم بأن تحقيق الحرية من دون أمن يعني العبثية والفوضى والانفلات المضر بمصلحة البشر. ولذا فإن التحدي الأكبر الذي يتنافس من أجله المتنافسون الحضاريون هو تحقيق الأمن مع الحرية، ضمن عملية سياسية سلمية... وهذا يعني أن القائلين إن زمن السياسة والحوار قد ولى مخطئون، كما أن الذين يرفضون الابتعاد عن مايثير الأوضاع بصورة مقلقة أمنياً مخطئون أيضاً.
البحرين بلد صغير، وهي تشبه مدينة في أي بلد آخر، وعدد المواطنين أقل بقليل من عدد الأجانب (49 في المئة مواطنون) ومجموع السكان أكثر من مليون بقليل، والجميع يعيشون على مساحة جغرافية محدودة، ولذا فإنه بالإمكان السيطرة على الأمور سياسياً وأمنياً مع انفتاح القنوات وتصفية النوايا، وإبعاد ما يثير الشكوك والظنون.
إننا ننتمي إلى بلد عريق في طيبته وحضارته، ومكونات المجتمع تتلاقى بسهولة، والأكثرية ترضى بسرعة... وعلينا أن لانفسح المجال للنظر إلينا بعين من الشفقة أو الاشمئزاز أوالشماتة، فنحن قادرون بعون الله على إصلاح ذات بيننا، وهذا يحتاج إلى إرادة وحكمة عهدناها في شخص جلالة الملك.
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2924 - الأربعاء 08 سبتمبر 2010م الموافق 29 رمضان 1431هـ