صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

كنت أكبر إخوتي ٠٠ و لذلك كان أبي في زيارته الأسبوعية للحمام يجرني مع أخواي ليمضي ساعات نهاية الأسبوع في سلخ جلودنا وسط حرارة جهنمية خاصة مع الحمامات القديمة التي تسخن بالحطب ٠٠
والحمام العمومي في تونس و شمال إفريقيا تقليد شعبي لا يعرفه أهل المشرق الذين نسوه مع ذهاب العثمانيين و أصبحو يسمون مراحيضهم حمامات ٠٠

يأمرني أبي أن أستلقي قرابة الساعة في بيت الجحيم و لا أخرج منها إلا منهكا خائر القوى و ذلك لفتح عضامي كما يقول !٠٠ بعد ذلك يأمرني بحك جلود أخواي بقطعة قماش شديدة الخشونة تلبس في اليد كالقفاز في ما يستلقي هو في (بيت السخون) متمتعا بأبخرة حوض الماء الساخن ٠٠ بعدها أقوم بحك ظهره و هو يحثني بإستمرار على الضغط بقوة أكبر و يصف صلابة ساعدي بسواعد البنات ٠٠ لم يكن يعلم أن الحرارة المرتفعة و نقص الأكسيجان والإنهاك الشديد كفيلون بجعل ساعد مراهق في الخامسة عشر كساعد طفل في الثالثة ٠٠
بعد كل ذلك العذاب يحك لي ظهري و كأنه يسلخه ثم يمارس هواية ( التكسيل ) التي يتقنها وهي رياضة تكسير عظامي و لي أطرافي و مفاصلي إلى حدود السحق ٠٠
بعد كل ذلك العذاب يتركني أترنح كالجثة و يصب فوقي بضعة أسطل من الماء الساخن ثم يتناول أخواي ليذيقهما نفس العذاب و يأمرني بإكمال حك جلدي بتلك (الكاسة) فأتظاهر بفعل ذلك لكني لا أجد القوة لفعل أي شيء غير التواري عن أنظاره و صب الماء البارد على جسمي الملتهب ٠٠
ثم و خلال ذلك يأخذ في مناداتي مرة تلو الأخرى لجلب الأسطل و الأدباش و لتفقد ملابسنا و كنت أتحين فرصة إنهماكه في أي شيء للخروج و تغيير ملابسي قبل أن يناديني من جديد ٠٠
كانت لحظة الخروج لبهو الحمام المنعش و تناول برتقالة أو مشروبا غازيا و تنشق الهواء النقي الرطب المشبع برائحة الحصائر النفاذة ثم الإستلقاء كالمغشي عليه هي أجمل اللحظات في كل القصة ٠٠
أتذكر أني أغميت مرة من الإنهاك و شدة الحرارة فأخرجوني و ألقوني فوق الحصيرة ثم عادو للداخل وكأن شيئا لم يكن حتى أفقت ووجدت نفسي وحيدا ٠٠ كان الأمر عاديا أن يغمى على أحدهم في الحمام من التعب و الحرارة و نقص الاكسيجان .و لم يكن ذلك يسترعي إهتماما كبيرا ٠٠

حين كبرت و تعلمت كيف اقول لا لابي أقسمت أن لا أدخل حماما شعبيا طوال عمري و لم أزر أحدها بعدها حتى اليوم ..

طبعا لا أتحدث عن حمامات العيون الجوفية الساخنة طبيعيا مثل الزريبة و الجديدي و قربص و الحمامات السياحية الاستشفائية العامة و الخاصة ..بل عن بؤر الجحيم التي تنتشر في كل الاحياء و التي تتنافس في قلي و سلخ جلود الضحايا من الأطفال و المساكين !

2020
Hatem Limam
#hitlimam