صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

من التاريخ العثماني: حصار سالونيك.. صفعة تيمورلنك التي أيقظت الدولة العثمانية.

بدأت الأزمة أثناء فترة طويلة عُرفت باسم الحروب العثمانية البندقية (العثمانية ضد جمهورية فينيسيا), كانت سالونيك تابعة للدولة العثمانية منذ عام 1387 و لكن في عام 1402 وقعت معركة أنقرة بين الدولة العثمانية و تيمورلنك و التي انتهت بهزيمة الدولة العثمانية و أسر السلطان بيزيد الأول العثماني و معه ابنه "مصطفى چلبي".

و استغلالاً لتلك المعركة قامت الدولة البيزنطية بضم سالونيك عام 1403, و اختفى مع تلك العملية "مصطفى چلبي" رغم خروجه من الأسر عام 1405, و بعد مرور 10 سنوات ظهر مصطفى فجأة و بدأ يُطالب بحقه في العرش, في فترة تولي السلطان محمد الأول, و ظهر مصطفى بمنطقة الروملي (البلقان حالياً) و تحالف مع البيزنطيين و حصل على دعمهم ضد محمد الأول من أجل الوصول لعرش الدولة العثمانية. و عرض مصطفى على محمد تقسيم الدولة بينهما.

رفض محمد طلب مصطفى و دخل في حرب ضده و بسهولة انتصر عليه, مما دفع مصطفى للهرب و بمساعدة البيزنطيين انتقل لسالونيك عام 1416. و بعد ضغوط من محمد الأول على البيزنطيين تم نقل مصطفى إلى جزيرة ليمنوس. و ظل مصطفى ورقة رابحة للبيزنطيين على أمل إستغلالها بعد وفاة محمد الأول.

و بعد وفاة محمد الأول و صعود مراد الثاني للحكم, دفع البيزنطيين بمصطفى مرة أُخرى و تمكن من السيطرة على الروملي إستعداداً للوصول للحُكم بالدولة العثمانية, و لكن تمكن مراد من التواصل مع أصحاب النفوذ داخل الروملي و أتحدوا على الإنقلاب ضد مصطفى الذي كان المطيع للدولة البيزنطية.

و سقط مصطفى بالنهاية عام 1421م و أعدمه مراد, و أستشاط مراد غضباً من دعم البيزنطيين له و قرر الهجوم على سالونيك و إستردادها مرة أُخرى عام 1422 و بدأ الحصار العثماني. و خوفاً من غضب مراد سلم الحاكم البيزنطي سالونيك للجمهورية البندقية عام 1423م, و التي كانت من أقوى الدول في العالم آنذاك عسكرياً و عدو لدود لا يقهر أمام مراد الثاني. و حاولت البندقية إقناع مراد بالتنازل عن سالونيك و الإعتراف بتبعيتها للبندقية و فك الحصار عن المدينة, إلا أنه رفض و أعلن أنه سيستردها لا محالة.

استمر هذا الحصار الذي يُعتبر من أحكم و أشد أنواع الحصار التي عرفها العالم لمدة 8 سنوات, و خلال تلك السنوات أنعزلت سالونيك بنسبة كبيرة عن العالم بل و استمر القصف طوال تلك الفترة و كأنه عقاب من مراد ينقل به رسالة للعالم أن الدولة العثمانية قد أستفاقت من صفعة تيمورلنك و عادت كما عرفتها أوروبا.

حاولت الجمهورية البندقية إلهاء مراد بالتحالف مع "جنيد بك الآيديني" لكي يشكل جبهة مضادة لمراد داخل حدود الدولة العثمانية, و لكن تمكن مراد من الوصول لإتفاق مع عدو البندقية "جمهورية جنوة" و التي وافقت على صد جنيد بك و منعه من المرور للأراضي العثمانية مقابل استمرار العداء بين مراد و الدولة البندقية, و بدأ يلتفت مراد الثاني للدولة البيزنطية و خوفاً منه وافقت على رد جميع الحدود التي استولت عليها منذ عام 1403, ليتفرغ بذلك مراد تماماً للبندقية.

و بالفعل بدأ يزيد مراد من حدة الحصار على مدار السنوات حتى وصل الأمر لحالة مجاعة شديدة بداخلها و هرب العديد منها, و استمرت البندقية على مدار ال8 سنوات تحاول التواصل لإتفاق مع مراد دون جدوى, و في كل مرة يشتد الحصار بل بدأ مراد يهجم على ما تملك البندقية في عدة مناطق أُخرى بالبلقان و حولها و استمر نزيف الدولة البندقية, بعد أن دخل كلاهما في عدة تحالفات كانت اختيارات مراد بجميعها الأفضل و أعطته قوة و أفضلية, و رغم كل هذا الصراع كانت ترفض البندقية إعلان حرب رسمية على الدولة العثمانية و بشكل خاص مع إستمرار إثبات مراد أن الدولة في تلك الفترة تشهد إنتفاضة قوية, إلى أنها أضطرت لإعلان الحرب عليه في النهاية ليستغل مراد ذلك و يتواصل مع المماليك في الشرق و الذين شاركوه نفسه الكره تجاه الدولة البندقية و حلفائها و يبدأ تحالف عثماني مملوكي في تلك الفترة.

استمرت الخسائر البندقية بشكل متصاعد و خاصة في السنوات الاخيرة و بعد وصول الأنباء داخل سالونيك بأن مراد الثاني قد أرسل جيشاً ضخماً إضافياً مكون من 190 ألف جندي تسبب في حالة هلع شديدة بالداخل نتج عن ذلك إتفاق قادة البندقية على الإنسحاب و ترك المقاومة الداخلية تلقى مصيرها أمام مراد وحدها, و لكن سرعان ما أنتشرت تلك الأنباء لتنسحب القوات من على الحصون و في خلال 4 ساعات فقط يتمكن الجيش العثماني من دخول المدينة و تبدأ التحامات عنيفة تستمر ل4 أيام يسحق بها الجيش العثماني المدينة و يدمر أغلبها قبل أن يدخل السلطان بنفسه لإحدى الكنائس و يصلي فيها و تُصبح لاحقاً أول مسجد بسالونيك.

انتهى الحصار بفضيحة هرب القادة البندقيين و سقوط سمعتهم عالمياً و رد السطان العثماني لسكان المدينة المتبقيين أملاكهم و الذين تحول أغلبهم للإسلام لاحقاً, و وعد في حالة عودة الهاربين من السكان أن يرد إليهم أملاكهم و لكنهم لم يستجيبوا فبدأ بالدفع بعدد كبير من السكان من مقدونيا بين مسلمين و مسيحيين و أعطاهم الأملاك المتاحة و دفع تعويضات عما أفسد جنده, و وقعت معاهدة بين الدولة العثمانية و البندقية تعترف فيها البندقية بأحقية الدولة العثمانية بسالونيك و إنسحابها من عدة حدود مائية لصالح الدولة العثمانية.

و ظلت سالونيك منذ ذلك اليوم عثمانية لمدة 5 قرون, و بدأت رحلة صعود الدولة العثمانية للقمة العالمية بتلك الفترة حتى بدأ يظهر على الساحة ابن مراد الثاني و واحد من أقوى القادة الذين عرفهم العالم حتى اليوم, محمد الثاني و الذي عرفه العالم باسم "محمد الفاتح".

سالونيك هي ثاني أكبر مدينة في اليونان حالياً انتزعت من أيدي الدولة العثمانية عام 1912 أي بعد 482 عاماً من نهاية ذلك الحصار.

#معلومةpoi
#إعادة_نشر