حركة جعفر الخابوري الاسلاميه
نر حب بجميع الزوار الكرام ونر جو منكم التسجيل
حركة جعفر الخابوري الاسلاميه
نر حب بجميع الزوار الكرام ونر جو منكم التسجيل
حركة جعفر الخابوري الاسلاميه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حركة جعفر الخابوري الاسلاميه

احدر ان يصيبك فيروس الحقيقه فتشقى
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 القضيّة الحسينيّة.. عمقٌ إسلاميّ وتطلّعات إنسانيّة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بطل الحلقه
ضيف مهم
ضيف مهم



عدد المساهمات : 32
تاريخ التسجيل : 03/12/2010

القضيّة الحسينيّة.. عمقٌ إسلاميّ وتطلّعات إنسانيّة  Empty
مُساهمةموضوع: القضيّة الحسينيّة.. عمقٌ إسلاميّ وتطلّعات إنسانيّة    القضيّة الحسينيّة.. عمقٌ إسلاميّ وتطلّعات إنسانيّة  Icon_minitimeالثلاثاء ديسمبر 14, 2010 11:46 pm

القضيّة الحسينيّة.. عمقٌ إسلاميّ وتطلّعات إنسانيّة


نصّ المحاضرة الّتي ألقاها سماحة العلاّمة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله في قاعة الجنان في بيروت، في السّابع من محرّم 1423هـ، الموافق 23 آذار 2002م.

القضية الحسينيّة: هل نكبرُ بها، وبالآفاق الّتي انطلقت فيها في مدى الزّمن، وفي الرّوح الّتي انبعثت منها في مدى الإنسان، وفي الفكر الّذي انطلق منها في مدى الإبداع؟! هل نكبر بها لنخرجها من دائرة الزَّمن المحدود لنحرّكها في الأبعاد المترامية، أو أنَّنا نصغّرها لندخلها في كلِّ زنازين ذاتيَّاتنا وطائفيَّاتنا وكلّ أساليب الضَّعف الّتي فرضت نفسها على العقل والقلب والحركة والحياة؟!

...هل نكبر بها؟ وإذا أردنا أن نكبر بها، فإنَّ علينا أن لا نفصلها عن جذورها، لنجعلها مجرَّد حادثةٍ مفصولةٍ عن حركة الإسلام في الواقع، بحيث تغيب المسيرة الإسلاميَّة في كلِّ خطوطها ومفاهيمها وحركيَّتها وانفتاحها على الإنسان، وبحيث لا نربطها بالحركيَّة الّتي صنعت ذلك المجتمع، وأرادت أن تقتحمه لتبعد المأساة عنه وعن الّذين صنعوا المأساة.

عاشوراء امتداد لحركة الرّسول(ص):

ولذلك، فإنّني أخشى أن أقول إنّنا أدخلناها في ذاتيّاتنا، فدخلنا في الذّات ولم ندخل في القضيّة، حتى إنّنا عندما حرّكنا القضيّة الكبرى الّتي كانت عنواناً لها، لم ندرسها بعمق، ولم نتزوّد منها للمستقبل، فالقضيّة الحسينيّة هي قضيّة ذات أبعاد ثقافيّة، تحرّك السياسة في امتدادات الثّقافة، وتحرّك الجهاد في وعي الإسلام، والقضيّة هذه كانت نتيجةً طبيعيّةً للتّراكمات الّتي عاشها المجتمع الإسلاميّ في كلّ انحرافاته، وفي كلّ ما دخل فيه من هنا وهناك. لذلك كانت كربلاء فرعاً من أصل، وجزءاً من كلّ، لن نستطيع أن نذكرها إن لم نذكر بدراً وأُحُداً والأحزاب وحنيناً وكلّ ما صنعه المجتمع المشرك في مواجهة رسول الله(ص) والإسلام في مكّة، وما فرض عليه من أوضاعٍ لم يستطع الرّسول(ص) من خلالها أن يمدّ حركته وإسلامه.
القضيّة الحسينيّة هي قضيّة ذات أبعاد ثقافيّة، تحرّك السياسة في امتدادات الثّقافة، وتحرّك الجهاد في وعي الإسلام


عليّ(ع) رسالة وعيٍ متحرّك:

كلّ هذه الأوضاع تراكمت عبر الزّمن، وتحوّلت إلى رواسب نتيجةً لهذا التّراكم، ولذلك، لم يعد بإمكاننا أن نفصل كربلاء عن كلّ مأساة عليّ(ع)، ومأساته هنا ليست في أنّه ضُرِبَ في المحراب، فهي أقلّ أنواع مأساته، ولكنّ مأساته كانت في هذا العنفوان الكبير، والقمّة العليا من العلم والإبداع وحركيّة الفكر، ومواكبة امتداد الإنسان في مدى الأجيال، حتّى يشعر كلّ جيلٍ بأنّ عليّاً(ع) معه في حضوره الثّقافيّ والرّوحيّ، وفي كلّ أبعاده الإنسانيّة. لذا نحن لا نستطيع أن نفصل كربلاء عن عليّ في كلّ مأساته، وعن عليّ في كلّ صبره، هذا الصّبر الّذي لم ينطلق من عجزٍ في الحركة، ولكن من وعيٍ للقضيّة.

وهذا ما يتجلّى في حركة الإنسان الرّساليّ، الّذي يمتلك القدرة على الاقتحام بالمعنى المادّيّ، ليسقط هذا أو ذاك ممن يقفون في طريقه، ولكنّه عندما ينظر إلى الرّسالة، ويرى أنّ هذا الاقتحام المادّيّ في بعض المراحل سوف يسيء إلى الرّسالة، فإنّه يصبر ويتأمّل ويفكّر، ويعطي المنهج ويخطّط للمستقبل بكلّ رويّةٍ وتأنٍّ.

وهكذا كان عليّ(ع): "قد يرى الحوّل القلّب" الّذين يملكون تحويل الأمور في عناصرها الذاتيّة والموضوعيّة وتقليبها، "وجه الحيلة" والقدرة على تحريكها في كلّ لعبة، سواء كانت لعبةً اجتماعيّةً أو سياسيّةً أو ما إلى ذلك، "فيدعها رأي عين"، وهو يراها في معرفةٍ تنفذ إلى عمق الأشياء بأبعادها السلبيّة والإيجابيّة، "وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدّين".

كانت مشكلة عليّ(ع)، أنّه لم يحمل الذّات في طموحات عقله، ولكنّه حمل الرّسالة في كيانه كلّه، وهكذا كان عندما انطلق وهو يقول: "والله ما معاوية بأدهى منّي"، في رسالةٍ إلى الّذين لم يفهموه، وما أكثر المتفلسفة والسياسيّين الّذين لم يفهموه، والّذين كانوا يقولون إنّ عليّاً لا يفهم السّياسة، ومعاوية أكثر دهاءً منه وسياسةً، فيردّ عليهم بالقول إنّ السّياسة ليست لعبةً يتقاذفها الأطفال ككرةٍ في أقدامهم، ولكنّ السّياسة رسالة تخطّط للإنسان كيف تتعمّق إنسانيّته، وكيف تطهر وتسمو وتنمو وتعطي للحياة معنىً، وتعطي للمستقبل خطّة، كان يقول: "والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر"، عندما يحقّق له الغدر والفجور ما يريد استهدافه، "ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى النّاس". وكان لسان حال عليّ(ع) يقول إنّني الوفيّ دائماً، لأنّني رأيت الوفاء توأم الصّدق، وإذا كنت صادقاً، فلا يمكن إلا أن أكون وفيّاً، لأنّ الّذين يغدرون هم أولئك الّذين لا يعرفون ما معنى الحقّ، وما معنى الإنسان في وعي الحقّ.

إنّ الّذي يخرج الفكرة من أعماق الأعماق في خطّ الخير، قادر على أن يحرّك الفكرة في كلّ الآفاق في خطّ الشّرّ، ولكنّ دونها حاجزاً من أمر الله ونهيه يمنعه من التقدّم، لأنّ الرّسالة لا بدَّ من أن تتقدّم، ويقف القائد يحدّق بها ويرعاها وينمّيها بعناصرها.

وهكذا كانت مأساته، "إنَّ ها هنا لعلماً جمّاً لو وجدت له حملة"، حيث كان يريد من خلال هذا العلم أن يثقِّف الأمَّة، إذ كان يعتبر أنَّ العقل عندما ينفتح على الثّقافة، فإنّ الفكر ينطلق بالحقّ مثقّفاً، وعندما ينفتح القلب عليها، تنطلق العاطفة بالحقّ مثقّفةً، وعندما تنفتح الحياة عليها، تنطلق الخطوات المثقّفة، عندما تجاهد ثقافيّاً في الحرب، وعندما تجاهد سياسيّاً في الواقع، لأنّ قصّة أن تكون المجاهد، هي أن يكون عقلك في وعي الجهاد للقضيّة، ووعي القضيّة للجهاد.

مأساة الحسين(ع) كمأساة أبيه:

تلك كانت مأساة عليّ(ع)، وقد عاش(ع) في كلِّ كيان الحسين(ع)، فكان عقله وقلبه ومأساته عقل الحسين(ع) وقلبه ومأساته، ونحن نعرف من خلال خطاب الإمام الحسين(ع)، أنّه كان خطاب الأمّة: "خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي"، كانت الأمّة كلّ همّه، كما كانت الأمّة همّ جدّه وأبيه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران: 110] ، وأراد للأمَّة أن تتجدَّد بحركيَّة بناء المعروف في واقعها، وطرد المنكر من ساحاتها، كانت هذه هي القضيَّة، ولذلك كانت آلام الحسين(ع) كآلام أبيه، كان يتألّم لكلِّ هؤلاء الّذين قيل له عنهم: "إنَّ قلوبهم معك وسيوفهم عليك".

وكان الحسين(ع) يتألّم، كيف تكون نبضات القلب ضعيفةً، بحيث إنّها لا تعطي السّاعد وعي السّيف الّذي يضرب به، ووعي المعركة الّتي يخوضها. وقيمة القلب أنّه يتكامل مع العقل في أنّ العقل يعطي الفكر، والقلب يعطي الإحساس والشّعور والنّبضة الإنسانيّة من أجل أن تنطلق النّبضات في خطّ الفكر، ولكن عندما تنحرف مسيرة القلوب، يبقى الفكر مجرّد معادلةٍ في التّجريد، وينطلق القلب في اتجاهٍ آخر، فيحلّق الفكر في الفضاء، ويتمرَّغ القلب في الأوحال، لأنّ الدّماء الّتي تضخّ في القلب هي دماء مليئة بكلّ ما يثقل القلب ويحجب عنه وضوح الرّؤية، فيحبّ من أبغض الله، ويبغض من أحبّ الله. ولذلك، فإنّ القصّة ليست في أنّ الإنسان قلب وعقل فقط، بل هو وحدة يتحرّك فيها العقل مع القلب، لتنطلق الطّاقات في الاتّجاه السّليم.

إنّ ما نريده هو أن نكبُر بعاشوراء، فلا نرى فيها مجرّد قيادةٍ تنـزف الدّماء منها، دماء الكارثة ودماء المصيبة، ودماء الجسد، ولكنَّنا نريدها أن تكون قضيّةً، فنتمثّل الشّخص وجه القضيّة وروح القضيَّة، لا أن ننفذ إلى الشّخص وننسى القضيّة، وهذا ما نفعله الآن، والزّمن في مسيرته قطع الأجيال ووصل إلينا، فأصبحت المسألة كيف نبكي الحسين(ع) بالتّاريخ أكثر مما نبكي الإسلام في الواقع، وأصبحت المسألة هي كيف نبكي هؤلاء الّذين استشهدوا مع الحسين(ع) قبل أن نبكي المجتمع الّذي يتخبّط في واقعنا.
إنّ ما نريده هو أن نكبُر بعاشوراء، فلا نرى فيها مجرّد قيادةٍ تنـزف الدّماء منها، ولكنّنا نريدها أن تكون القضيّة


عزّة الحسين(ع) وصموده

إنّنا عندما نستمع إلى أكثر مجالس العزاء في العالم الإسلاميّ، فماذا نجد؟ نجد أنّ المسألة هي كيف نستنـزف الدّمعة حتّى بالخرافات، لقد حوّلنا الخرافة إلى ما يشبه الحقيقة الّتي ندخلها في عقول الأجيال على أنّها هي التّاريخ، والتّاريخ لا علاقة له بها، لا من قريب ولا من بعيد، فرأينا عاطفةً بدويّةً تبحث عن الإثارة، ولم نجد عاطفةً حضاريّةً تبحث عن دراسة المأساة في عناصرها الواقعيّة في السّاحة. إنّنا ونحن نستمع، وأنتم تستمعون إلى كلّ ما يقرأه القارئون، هل نجد صورة الحسين(ع)؟ "لا والله، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه، أربط جأشاً منه، وإن كانت الرّجّالة لتشدّ عليه، فيشدّ عليها بسيفه، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذّئب"، "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد، ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة". أين هذه الصّورة وكلّ الصّور الّتي تجعل الحسين(ع) يبكي جازعاً هنا وجازعاً هناك، فيصوّرونه تارةً يبكي "وا عليّاه" "وقاسماه"، وتارةً يجعلونه يرمي نفسه بين الشّهيدين ويبكي، أو يأتي إلى النّساء ليبكين. هل هذا هو الحسين(ع) الّذي قال لأخته زينب(ع) عندما فاضت عاطفتها بين يديه في جلسة خاصّة: "إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تشقّي عليّ جيباً، ولا تدعي بالويل والثّبور"، كان يقول لكلّ من بقي، لا تشمتوا بنا الأعداء، لكي يبقى الموقف متماسكاً حتّى في الشّكل، لأنّ الأعداء كانوا يستهدفون إسقاط معنويّة هذا الجيش الرّساليّ الّذي يعيش فيه الطّفل والشّابّ والمرأة والشّيخ روحيّة الرّسالة، كانت القضيّة أن تسقط الرّسالة في نفوسهم أمام تأثيرات المأساة.

ولذلك كانت المسألة هي أن يبقى الصّمود، أن تبقى العزّة، ونحن نعرف أنّ السّقوط أمام المأساة لا علاقة له بالعزّة، ولكن الطّريقة التي تثار فيها قضيّة الإمام الحسين(ع)، يصوَّر فيها كأيّ ثاكلٍ يقف في ثكله أمام ولده أو ابن أخيه أو ما إلى ذلك.
لا شكّ في أنّ العاطفة مقدّسة، ولا إنسانيّة بدون عاطفة، والحسين(ع) هو سيّد الإنسانيّة في معنى العاطفة


زينب(ع): الصّبر والقوّة في الموقف

لا شكّ في أنّ العاطفة مقدّسة، ولا إنسانيّة بدون العاطفة، والحسين(ع) هو سيّد الإنسانيّة في معنى العاطفة، العاطفة الّتي كان يعيشها في نفسه كأيّ إنسانٍ يقف أمام المأساة، والعاطفة الّتي كان يعيشها تجاه أمّته، ولكنّ الحسين(ع) كأبيه، "قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة"، وجه الموقف، وجه الجزع، وجه البكاء، ودونها حاجز من أمر الله ونهيه، لأنَّ الله يريد له أن يجسّد القوّة في صبره، كما يجسّد القوّة في قتاله، وهذا ما جسّدته زينب(ع) بقولها: "اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان"، وتقول في مخاطبة يزيد: "فكِد كيدك، وناصب جهدك، فإنّك لن تمحو ذكرنا، ولن تميت وحينا"، وتقول في مخاطبة ابن زياد: "ثكلتك أمّك يا بن مرجانة"، فهل زينب الّتي تتحدّث بهذا الحديث الّذي نسمعه، هي الإنسان الّتي لا شغل لها إلا البكاء والصّراخ وما إلى ذلك؟!

لقد ترك لنا الشّعراء بمختلف مستوياتهم، حديثاً عن زينب يصوّرها كما لو كانت بدويّةً تبكي أهلها وعشيرتها، وتنادي بالويل والثّبور! زينب هذه كانت قمّة العاطفة، ولكنَّها كانت في الوقت نفسه قمّة الوعي، لقد كانت شريكة الحسين(ع) في إدارة شؤون المعركة حتّى في كربلاء، قبل أن تنطلق بالسّبي إلى الكوفة والشّام، وهي الّتي تركت زوجها في المدينة، وجاءت إلى كربلاء، لأنّها عاشت الزّوجيّة للقضيّة وللرّسالة.

لذلك، نحن لا نقول إنّ العاطفة في المرأة تسقط إنسانيّتها، ولكن عندما تكون المرأة في ساحة المعركة وفي ساحة الصّراع، عند ذلك لا تكون العاطفة حرّةً في التّعبير عن نفسها بما يؤثّر سلباً في ساحة المعركة.
العاطفة في المرأة لا تسقط إنسانيَّتها، ولكن عندما تكون المرأة في ساحة المعركة وفي ساحة الصّراع، عند ذلك لا تكون العاطفة حرّةً في التّعبير عن نفسها بما يؤثّر سلباً في ساحة المعركة


لنثقّف الأسلوب في التّعبير:

لذلك، نحن بحاجةٍ إلى أن نستغني عن كلِّ هذا الرّكام، ومن المؤسف جدّاً أنّنا لا نرى إلا ما يقرب من عدد أصابع اليد في كلّ هذا الواقع، من الّذين يملكون رحابة السّيرة وأفقها في القضيّة الكبرى، لا نملك الإنسان المثقّف الّذي يملك ثقافة الفكرة وثقافة إدارة العاطفة. نحن نعرف أنّ الإنسان تطوّر، فأساليبنا في الشّعر الآن تختلف عن أساليبنا في أيّام امرئ القيس، وأساليبنا في النّثر تختلف عن أساليب فلان وفلان من أدباء النّثر، حتّى إنّ أساليبنا في التّعبير عن العاطفة اختلفت، لأنّ الصّورة الّتي عاشها الإنسان في تطوّره الفكريّ، تختلف عن الصّورة الّتي عاشها أولئك، كانت المسألة هناك أنّ الخيم تمثّل الموقع، ولكن في عالم المدينة ماذا تمثّل الخيم؟ كانت المسألة هناك أنّ المرأة عندما تكشف وجهها تمثّل مأساةً للعفّة وما إلى ذلك، أمّا الآن، فأصبحت مسألةً طبيعيّة.

لذلك، لا بدَّ لنا من أن نثقّف الأسلوب، لأنّ القضيّة تبقى في عناصرها الطّبيعيّة، نحن لا نريد أن نطوّر القضيّة، فنبتعد بها عن عناصرها الطّبيعيّة، لأنّ علينا أن نبقي التّاريخ صادقاً، ولكن لا بدّ لنا من أن نطوّر الأسلوب، ونحن نعرف المثل المعروف: الأسلوب هو الرّجل، وهو المرأة، هو الإنسان؛ قل لي ما هو أسلوبك، ما هي طريقتك في إدارة الأمور العامّة والخاصة، أقل لك من أنت، لا يكفي أن تملك الفكرة، إنّ الكثيرين من النّاس أسقطوا تفكيرهم الأصيل بأساليبهم المتخلّفة، ونحن قد لا نشكو في بعض الحالات من مشكلة الفكر، ولكن نشكو من مشكلة الأساليب، إنّك تعيش في هذا القرن وأنت تتحدّث بأسلوبٍ ترجع فيه إلى الوراء مئات السّنين، ونحن نعرف أنّ الذّهنيّة لغة.

عندما تريد أن تعيش عصرك، لا بدَّ لك من أن تتحدّث بذهنيّة عصرك، وأنا لا أقصد من الذّهنيّة أن نسقط أفكار العصر، ولكنّ المقصود بذلك هو أن تتفهّم روح العصر، لتتمكّن من أن تنفذ إلى عقل الإنسان من خلال الذّهنيّة الّتي تخاطب عقله، وأن تنفذ إلى قلبه من خلال الوسائل الّتي تنفذ فيها إلى قلبه.

ولذلك، لا بدّ لنا من إنتاج شعرٍ جديد، ونثرٍ جديد، ربما تكون المأساة في عاشوراء محدودةً في ما هو الصّدق التّاريخيّ، بحيث لا يملك الخطيب ما يريده في إثارة الدّمعة وإثارة المشاعر، لكن عندما تكون خطيباً مثقّفاً، أو خطيباً أديبّاً، تعرف كيف تحرّك الكلام وتركّبه وتنظّمه في عمليّة إثارة المشاعر، ربما تقف لتعطي الصّورة الكربلائيّة في المأساة، وتنهمر الدّموع، دون أن ترجع صوتك أو تأتي حتّى ببيت شعر، المهمّ أن تعرف أين هي نبضات المشاعر عند الإنسان وما الّذي يحرّكه.

عاشوراء إسلاميّة في قيمها:

نحن بحاجة إلى خطباء، كما إلى علماء، يعيشون عصرهم، لأنّهم إذا لم يعيشوا عصرهم، فإنّهم لن يفهموا ذهنيّة الجيل الّذي يعيشون معه، ما يخلق، نتيجةً لذلك، هوّةً عميقةً بين الدّين والأجيال المقبلة، وفي المبدأ، ليست هناك مشكلة بين الدّين وبينهم، ولكنّ المشكلة في الّذين يحرّكون قضايا الدّين في وعي الإنسان.

لذلك، فإنّني أخشى مما نقوم به من تصغير عاشوراء، وحبسها في القمقم، وهي الّتي انطلقت إسلاميّاً كما قال صاحبها: "خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر". إنّ رسول الله(ص) قال: "من رأى منكم سلطاناً جائراً، مُستحِلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله".

ولكنّنا حوّلناها شيعيّة، لا من خلال قيم التّشيّع، بل من خلال التّراكمات التاريخيّة التي تحرّكت فيها ذهنيّاتنا في مسألة الخلاف بين السنّة والشيعة؛ إنّ عاشوراء تمثل في ندائها الإنسانيّ الإسلاميّ حركة الوحدة الإسلاميّة، لأنّ الحسين(ع) هو الشّخصيّة الّتي يلتقي عليها المسلمون جميعاً، ليس هناك مسلم سنّي أو شيعيّ يمكن أن يتحفّظ في احترام شخصيّة الإمام الحسين وأخيه الحسن (عليهما السّلام).

إنّ المسلمين جميعاً يروون أنّ "الحسن والحسين(ع) سيّدا شباب أهل الجنة"، "أحبّ الله من أحَبّ حسيناً"، "حسين مني وأنا من حسين". لذلك، كان من الممكن أن نحرّك خطاب كربلاء الّذي لم يكن فيه أيّ شيءٍ مما يتعارف عليه في زنزانات المذهبيّة المغلقة، ليكون صوتاً للوحدة الإسلاميّة، فيقوم بإحيائها السنّة والشّيعة معاً، لا أن تكون مناسبةً لإثارة الأحقاد الشيعيّة التّاريخية ضدّ السنّة، أو ليكون ردّ الفعل أحقاداً تاريخيّةً سنيّةً ضدّ الشّيعة، وبدلاً من أن نواجه الكفر كلّه والاستكبار كلّه في المضمون الثّقافيّ الّذي نريد أن نحرّك فيه عاشوراء، وإذا بنا نحاول أن نمزّق الوحدة الإسلاميّة باسم الإخلاص لأهل البيت، أو باسم الإخلاص للوحدة.

بدأنا نؤطّر عاشوراء، ونتفرّق شيعاً، فكلّ قبيلةٍ فيها أمير المؤمنين، { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}[التّكاثر: 1]، أصبحت المسألة من الّذي يجمع النّاس أكثر، ومن الّذي يجتذب الجماهير أكثر، ومن الّذي يثير العصبيّة أكثر، لكن بألوانٍ وبأوضاعٍ مختلفة. لقد كانت عاشوراء ضدّ العصبيّة الّتي أراد الأمويّون أن يعمّقوها في وعي المسلمين الّذين جمعهم الإسلام {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، "لا فضل لعربيّ على عجمي إلا بالتّقوى".
نحن بحاجةٍ إلى خطباء يعيشون عصرهم، لأنّهم إذا لم يعيشوا عصرهم، فلن يفهموا ذهنيّة الجيل الّذي يعيشون معه، ما يخلق هوّةً عميقةً بين الدّين والأجيال المقبلة


الاستفادة من دروس عاشوراء:

ادرسوا كلّ الواقع، ولا تحسبوا أنّي أريد أن أدينه كلّه، لكنّني أتكلّم عن الظّاهرة، والظّاهرة تصبح مشكلةً وكارثةً عندما تتحوّل إلى حالةٍ من الإدمان لدى الكثيرين. ولذلك فلنفكّر، ما هو المردود الثّقافيّ، هل استطاعت هذه الجماهير من النّساء والرّجال أن تعيش ثقافة عاشوراء في امتدادها الإسلاميّ وامتدادها الإنسانيّ؟ لا أنكر أنّ عاشوراء في خطابها الحماسيّ وفي خطابها الولائيّ استطاعت أن تعبّئ النّاس بحبّ أهل البيت(ع)، ولكن ما هو مضمون هذا الحبّ؛ هل يكفي أن نقول إنّ الحقّ لهم، أو إنّ علينا أن نفهم ما هو الحقّ عندهم، ما هو فكرهم، ما هو خطّهم، ما هي القضايا الّتي أثاروها في مرحلتهم، ما هي القضايا الّتي تبقى لتعالج مشاكلهم، لا يكفي أن تحبّ أهل البيت(ع) أو تحبّ رسول الله إذا لم تعرف ما معنى رسول الله(ص) في حركة الإنسان، وما معنى أهل البيت في حركة الإنسان.

إنّ الحبّ الضبابيّ سرعان ما يزول عندما يزول الضّباب، ولكنّ الحبّ المرتكز على قواعد فكريّة وعقليّة، هو حبّ يبقى مهما انطلقت العواصف من أجل أن تجتثّ جذورها، لأنّها كالشّجرة الطيّبة {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}[إبراهيم: 24 - 25]. لقد استطاعت عاشوراء من خلال كلّ هذا الحبّ للحسين(ع)، في كلّ هذا الحماس ضدّ الأعداء، أن تحرّك شيئاً في الجهاد، ولكنّنا لم نستطع أن نخطّط للمستقبل، فانحصرت القضايا في دائرةٍ هنا ودائرةٍ هناك، ولكنّ النّجاح في موقعٍ، يدفعك إلى أن تخطّط للنّجاح في مواقع أخرى، لأنّ الظّروف الّتي ربّما قد تساعدك في مرحلةٍ، قد لا تساعدك في مرحلةٍ أخرى.
لا يكفي أن تحبّ أهل البيت(ع) أو تحبّ رسول الله(ص) إذا لم تعرف ما معنى الرسول (ص) وأهل البيت(ع)في حركة الإنسان


ولذلك، نحن بحاجة إلى أن نخطّط للمستقبل بطريقةٍ تختلف عمّا هو سائدٌ الآن، لأنّ المسألة كما يقول المثل: "ليس كلّ مرّة تسلم الجرّة"، ولا سيّما أنّنا نعيش في عالمٍ استكباريّ يمثّل الأخطبوط الّذي يمدّ أذرعه إلى كلّ مفاصل الحياة العامّة للإنسان وللمسلمين بالذّات.

لذلك، فإنّ النّجاح هو عمليّة تخطيطٍ مستمرّ، ما إن تنتهي حلقة منه، حتّى يفترض أن يتمّ التّخطيط للمرحلة القادمة، وهكذا دواليك، للاستفادة من عناصر النّجاح للمستقبل، والبحث عن العناصر الجديدة الّتي تخطّط له، ليقفز من نجاحٍ إلى آخر، وما إلى ذلك. وبعبارةٍ أخرى، أن لا نهزم أمام القضايا، بل أن نفكّر في النّصر على أنقاض الهزيمة، والاستفادة من دروس الهزيمة.

واجبنا تحريك الأبعاد الإنسانيّة في الواقع

أنا أخشى أنّنا نزرع في مجتمعاتنا الشّخصيّة البكائيّة الّتي تبكي في الهزيمة، وتبكي في المأساة، وحتّى إنّنا جعلنا للسّرور بكاءً، وأصبحنا لا نطيق البسمات والفرح، بل نبكي من الفرح، لأنّ الشّخصيّة البكائيّة قد تبكي في حالات الفرح، كمن تخاف على الفرح أن يموت.

أيّها الأحبّة، إنَّنا نبذل جهداً كبيراً في عاشوراء، ولكنّني أتساءل: ما هي امتدادات عاشوراء في العالم، الّتي أُريد لها أن تكون المأساة الّتي تهزّ الضّمير الإنسانيّ؟! إنّها لا تزال في الدّائرة الشّيعيّة الخاصّة، حتى إنّها لم تنفذ بقوّة في الدّائرة الشّيعيّة المثقّفة المعاصرة إلا قليلاً، قد يحدّثك بعض النّاس أنّ الأديب الفلانيّ في الغرب قال كذا، وأنّ الفيلسوف الفلانيّ قال كذا، ولكن كم هي الكلمات التي لا نستهلكها حتّى نحن.

إنّ العالم يعيش الآن بالكذب مأساة المحرقة الّتي انطلق بها النّازيّ بالنّسبة إلى اليهود، ونحن نعرف أنّ اليهود تعرّضوا لهذه المحرقة كما تعرّض لها كثير من الشّعوب، ولكنّ اليهود عملوا بما عندهم من إمكاناتٍ، حتّى يقنعوا العالم على أساس "اكذب.. اكذب حتى تصدّق نفسك، واكذب.. اكذب حتّى يصدّقك النّاس"، وأصبحت المحرقة تمثّل هذه المأساة الإنسانيّة، وانطلقت القصص والرّوايات والأفلام لتنفذ إلى كلّ جيلٍ حتّى جيل الأطفال، ليشبّ عليها الصّغار، ويهرم عليها الكبار. ونحن لم نستطع أن نحرّك عاشوراء في الضّمير الإنسانيّ في أبعادها الإنسانيّة والثّوريّة والفكريّة في واقعنا، لم نستطع ذلك، أتعرفون كيف تُقدّم عاشوراء إلى العالم؟ انظروا إلى فضائيّات العالم غداً، وبعضنا لا يزال من مراجع وعلماء، يُنظّر لهذه العادات المتخلّفة، ماذا تنقل الفضائيّات العالميّة؟ هل تنقل الكلمات الهادفة والمثقّفة الّتي تنطلق من بعض المثقّفين والهادفين، هل تنقل هذا النّبض الإنسانيّ العاطفيّ الّذي يعيش في نفوس النّاس؟! إنّها تنقل كيف نضرب رؤوسنا بالسّيوف، وتنقل كيف نجلد ظهورنا بالسّلاسل،كأنّ قضيّة الحسين قضيّة هامشيّة لا يصنعها إلا المتخلّفون. إنّ الّذي يصنع قضيّة الحسين(ع) ليست هذه الدّماء الّتي نستنزفها من رؤوسنا، بل الدّماء الّتي نستنزفها من دماء الأعداء.

مواساة الحسين(ع) بالجهاد

ولهذا قلت في كلمةٍ سابقةٍ منذ أكثر من عشر سنين، إنّ الّذين يواسون الحسين(ع)، ليسوا هم الّذين يضربون رؤوسهم في النّبطيّة أو في الشّام أو في العراق أو في إيران، ولكنّهم الّذين يقفون في مواجهة الأعداء في جبل صافي، لأنّ الحسين(ع) جرح مع أهل بيته وأصحابه وهو يجاهد، وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويعمل على إنقاذ الواقع الفاسد من الحاكم الظّالم، وهؤلاء كانوا يقاتلون من أجل ذلك كلّه، أمّا أن تقف بعقلٍ باردٍ وتضرب رأسك بمزاجك وتنادي يا حسين! الحسين(ع) لا يتقبّل هذه الدّماء، لأنّ الحسين(ع) كما يريد نيّتك، يريد ممارستك في خطّ النيّة.

صور مشوّهة عن عاشوراء

هذه هي المسألة، ماذا تنقل الفضائيّات والصّحف؟ في العام الماضي قرأت صحيفةً كنديّةً تنشر صورة أبٍ يحمل ولده، والولد لا يتجاوز سنّ الرّضاعة، والدّماء تسيل من رأسه، والولد يبكي بكاءً يفتّت الأكباد لشدّة ألمه، ويقال هذا ولدٌ منذورٌ بالحيدر، وتعلّق الصّحيفة: "هكذا يفعل باسم الله!"، كأنّها تقول: هل يقبل الله ذلك، ونحن نعطي الانطباع بأن الله ورسوله يقبلان ذلك، وتنطلق حالات التخلّف لتفرض نفسها علينا، ويخاف النّاس أن يتحدّثوا عنها بالصّوت العالي، لأنّهم يخافون من المتخلّفين.

الغوغاء في مواجهة المصلحين

لا بدّ من صوتٍ ينقذ هذه الذّكرى من كلّ هذه الوسائل، نحن نعرف أنّ مثل هذه النّذورات هي نذورات محرّمة وفي مستوى الجريمة، لأنّك إذا كنت تملك أن تسيل الدّماء من رأسك، فأنت لا تملك طفلك، لا يجوز لك أن تعذّب الطّفولة حتى باسم الحسين، لأنّ الحسين(ع) كان يقف ضدّ هؤلاء، لأنّهم كانوا يعذّبون الطفولة ويقتلونها، وعندما انطلق السيّد محسن الأمين، المصلح الكبير، ليفتي بتحريم ذلك، انطلقت الأصوات من هنا وهناك لتقول كما قال بعض شعرائهم:

يا راكباً إمّا مررت بجلّقٍفابصق بوجه مسيئها المتزندقِ

لأنّه أفتى بحرمة هذا العمل من منطلقٍ فقهيّ، والكثيرون مستعدّون لأن يواجهوا كلّ المصلحين بهذه الطّريقة، وهناك الكثيرون ممن يتبعون هذه الأصوات الّتي تؤيّد التخلّف، ليكونوا كما قال عليّ(ع): "همجٌ رعاع، أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور الحقّ، ولم يركنوا إلى ركنٍ وثيق". يصيح الصّائحون بالحقد، فتنطلق كلّ صيحات الحقد، ليتحوّل الحقد إلى شيء مقدّس، وأنا أعرف أنّ الحبّ شيء مقدّس، ولا يمكن أن يكون الحقد شيئاً مقدّساً. نحن نقدّر السيّد "أبو القاسم الخوئي"(رحمه الله) في فتواه، وهو لا يرى كما نرى نحن، أنّ الإضرار بالجسد إذا لم يؤدّ إلى التّهلكة يحرم، بل إنّه ينظر إليها من الجانب الاجتماعيّ، فقد أجاب عندما سئل ـ وكتابه منشور في بيروت ـ هل هذه من الشّعائر؟ قال: هذه ليست من الشّعائر. سئل: ما رأيك فيها؟ قال: إنّها محرّمة إذا أوجبت هتك حرمة المذهب. سئِل من جديد: كيف تؤدّي إلى هتك حرمة المذهب؟ قال: إذا أوجبت سخرية النّاس.

ونحن نعرف أنّها توجب سخرية العالم. ما حال هؤلاء الّذين يضربون رؤوسهم بالسّيف لقضيّةٍ عاشت منذ مئات السّنين؟ نحن طرحنا ولا نزال نطرح: هل تريدون أن تقدّموا دماءكم للحسين(ع)؟ هل تريدون أن تستنـزفوها عن روح الحسين(ع)؟، إنّ هناك جرحى للانتفاضة يحتاجون إلى الدّم، فلماذا لا ننطلق في عاشوراء لنبحث عن أيّ مكانٍ يمكن أن يكون مصرفاً للدّم، لنقدّم هذه الدّماء احتفالاً بعاشوراء ومواساةً بالحسين(ع)، لنواسي كربلاء الفلسطينيّين.

إنّنا بذلك نستطيع أن نقدّم للعالم في حركة المأساة الّتي نتفاعل بها، شيئاً حضاريّاً إيجابيّاً حركيّاً، يقف مع المجاهدين ليعطيهم من دمائه إذا لم يستطع أن يعطيهم من طاقته في الحرب، ربما كانت هذه الأساليب قبل مئة سنة أو أكثر لها تأثير في ذهنيّة النّاس، ولكن الآن، لم يعد هناك لها مكان في الواقع.

هناك من يقول إنّه إذا لم يؤدِّ هذا الإضرار بالبدن إلى التّهلكة، فليس حراماً، وهناك رأي آخر يقوله الشّيخ الأنصاري وآخرون، ونحن نقول به، إنّ الإضرار بالبدن هو ظلم للنّفس، وظلم النّفس محرّم تماماً كما ظلم الغير محرّم.

لو فرضنا أنّ إنساناً جرح يده، ألا يقال ظلم نفسه، ولو أنّ إنساناً تعرّض للهواء البارد وأصيب بحمّى يمكن أن يشفى منها بعد أسبوع، ألا يقال إنّه ظلم نفسه؟! الإضرار بالنّفس غير عقلائيّ وحتّى غير عقليّ، لذلك يخلطون الأمر على النّاس، ويصدرون فتاوى تنطلق من حالةٍ تجريديّة، وأهميّة وعي السيّد الخوئي، أنّه انطلق من حالة واقعيّة. لذلك نقول، إنّ المفتي لا بدّ من أن يكون لديه ثقافة الواقع، كما يكون لديه ثقافة الإسلام.
اتركوا عاشوراء تعيش في كلّ هذا الصّفاء والنّقاء الرّوحيّ، لتستطيع أن تعطيكم صفاء العقل والرّوح والحياة


لذلك، نحن نصغّر عاشوراء عندما نحبسها في كلّ قماقمنا العصبيّة والطائفيّة والحزبيّة وما إلى ذلك، اتركوا عاشوراء تتنفّس في الهواء الطّلق، فسوف تصنع لكم هواءً نقيّاً، نقيّاً في العقل وفي القلب وفي الحياة، اتركوا عاشوراء تعيش في الشّمس، في الصّحو المبدع، فسوف تضيء لكم الطّريق في كلّ ظلماته، اتركوا عاشوراء تعيش في كلّ هذا الصّفاء والنّقاء الرّوحيّ، لتستطيع أن تعطيكم صفاء العقل والرّوح والحياة.

إنّنا نعيش في وحلٍ ثقافيّ ووحلٍ عاطفيٍ واجتماعيٍ، حتى أدمنّا الوحل، وأصبحت الينابيع الصّافية مشكلتنا الّتي لا نرتاح إليها. تعالوا، لقد كان الحسين(ع) ينبوعاً صافياً في الرّوح والعقل والحركة.
تعالوا لنتعاون ونتوحّد، فالمرحلة تفرض علينا أن نجمّد كلّ خلافاتنا، لا أن نثير الخلافات والهوامش والجزئيّات




عاشوراء رمزٌ لمقارعة الاستكبار:

ونبقى لننطلق من عاشوراء الأفق الواسع، من عاشوراء الّتي تنفتح إسلاماً وإنسانيّةً، لتمدّنا بالكلمة الحرّة، وأصالة الإنسان الّذي يريد أن يقول نعم كما تكون النّعم، وهي الموقف الجدّيّ الرّصين، لا موقف اللاهي العابث.

نسمع مسلم بن عقيل يقول: "أقسمت أن لا أُقتل إلا حرّاً"، ونسمع الحرّ بن يزيد الرّياحي الّذي قال: "إنّي أخيّر نفسي بين الجنّة والنار"، يخيّر نفسه بين أن يكون مصيره النّار عندما يبقى في الدّنيا وهي بين يديه، وبين أن ينال الجنّة ويترك كلّ الدّنيا من أجل مبادئه.

وقد أكّد الحسين(ع) هذه الحريّة، وأعطاها مفهوماً راقياً، عندما قال له: "أنت الحرّ كما سمّتك أمّك"، حرّ في الدّنيا، والحرّ هو الّذي يختار ما يريد، ويملك إرادة الاختيار لما يريد، وكلمة الحسين هي برنامج الحريّة: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل..."، "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز...".

إنّ هذا البرنامج أو المنطق الحسينيّ نرفعه في وجه بوش الّذي كان منطقه تماماً كما هو منطق ابن زياد، ولكنّ منطق هذا الأخير رُفعت عليه لافتة إسلاميّة، في حين أنّ بوش لا يضع لافتةً إسلاميّة، وذلك عندما رفع شعار: "إمّا أن تكونوا معنا أو مع الإرهاب". يعني إمّا معنا وإمّا نقاتلكم. ولذلك ندعوكم إلى تحويل منطق الحسين(ع) في كربلاء، إلى منطقٍ عالميّ يرفض الظّلم والاستكبار، كما رفض الإمام الحسين(ع) قول: إمّا معنا وإمّا مع الإرهاب.

نحن لسنا معكم ولا مع الإرهاب، نحن مع الإنسانيّة، نحن مع المقاومة، نحن مع الانتفاضة، نحن مع كلّ الّذين يعملون من أجل حريّة الإنسان، إنّنا نستطيع أن نستخدم منطق الحسين(ع) مع إسرائيل الّتي تريد من الفلسطينيّين أن يخضعوا لتفرض عليهم شروطها، ليقولوا "لإسرائيل" كما قال الإمام الحسين(ع): "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل"، إنّنا نستطيع أن نحوّل شعارات عاشوراء إلى شعاراتٍ إنسانيّةٍ عندما نتقن صناعتها وإخراجها، لأنّ الحسين(ع) كان للإنسان كلّه. لا يزال بعضنا ممن يحبس عاشوراء في القمقم ـ والحمد لله أنّهم ليسوا كثراً ـ يقولون ما لنا بفلسطين، هؤلاء سنّة، والسنّة ضدّ أهل البيت، وعاشوراء لأهل البيت، ألم تسمعوا بمثل هذا الكلام، كما كان يقال عندما كانت الحرب ضدّ إيران، هؤلاء شيعة، وما شأننا بالشّيعة، الشّيعة ليسوا مسلمين، هنا السنّة ليسوا مسلمين، وهناك الشّيعة ليسوا مسلمين، وضاع الإسلام بين هذه المقولة وتلك.

أيّها الأحبّة، لنخرج من عاشوراء في انطلاقة وعيٍ يجمع الوعي الثّقافيّ والسياسيّ والجهاديّ والاجتماعيّ، وخطأ أن نقول إنّنا يمكن أن نجزّئ الأمور، حيث لا فصل بين الجهاد والسياسة والثّقافة وما إلى ذلك. فالجهاد حركة في السّياسة، والسّياسة حركة في المبدأ، والمبدأ حركة في رضا الله، لا ازدواجيّة، إنّ المسألة هي أنّ الثّقافة تعطي الوعي للسّياسة، والسّياسة تعطي الوعي للجهاد، والجهاد يعطي الوعي والحركة للواقع، تعالوا لنتكامل، تعالوا لنتعاون، تعالوا لنتوحّد، المرحلة تفرض علينا أن نجمّد كلّ خلافاتنا، لا أن نثير الخلافات والهوامش والجزئيّات، تعالوا لنطوّر نقاط القوّة عندنا، ولا نستغرق في نقاط الضّعف، وأن نرفض كلّ الكلمات الّتي لا معنى لها، وأن نرفض كلّ اللّغو الّذي لا علاقة للواقع به، كما قال ذلك الشّاعر:

ونبقى نلفّ ونبقى ندورونحن نفتـّش عن قافيـة

ألا قُتل الضّعف فينـا فقدأضاع الرّعيّة والرّاعيَة


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القضيّة الحسينيّة.. عمقٌ إسلاميّ وتطلّعات إنسانيّة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة جعفر الخابوري الاسلاميه :: قسم حرية الكلمه-
انتقل الى: