باختصار الممنوعات!

باختصار
الممنوعات!

لا يراد للعرب أن يختاروا مستقبلهم، ممنوع عليهم أن يفكروا بأجيالهم، بطرق حياتهم المقبلة، بوضع يدهم على ثرواتهم، وممنوع عليهم أن يحلموا وأن يتصرفوا على أساس حلم ولو أنه غير مرتبط بالواقع.
كل العالم موجود اليوم عندنا .. الغرب والشرق، والشمال والجنوب، أيام عربية مسيرة بخيارات غربية، لكن عوامل التغيير فيها هي التي تقلق الجميع. إذا لزم العرب أوضاعهم المهترئة فعليهم الانصياع للولايات المتحدة وكل الغرب، وإذا حاولوا التفكير ولو بالقليل من مصالحهم وعملوا على تغييرها فعليهم أن يتقبلوا فرض إرادة أميركا وحلفها الغربي وتدخلاتهم وإعادة الخضوع لهم.
تلك الممنوعات تتدخل دائما، هي مفروضة منذ زمن بعيد لكن هذه المرة أكثر حدة وبروزا. لكأنما هنالك تسليم بأن العرب يجتاحون تاريخ ضمورهم من أجل إعادة تأسيس كياناتهم، أو ترتيب أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بما يتناسب مع تطلعات شعوبهم. لا يحترم الغرب تلك الشعوب يراها كمّا يمكن تحريكه في أي اتجاه، فهو يعول بالتالي على الحكومات والسلطات، يديرها عن قرب وبعد ويقدم لها الفتات كي تظل عالقة في صنارته، فيما تحصل إسرائيل على ما تشتهيه وأكثر ما تتنماه أو تفكر به.
لهذا السبب نعيش أزماتنا .. إذا كانت الوحدة ممنوعة وليس من يواجه هذا الأمر بفعل أمر مضاد، فإن القطرية ممنوعة أيضا بما هي عليه من توحد داخلي أو تعايش أو وجود قوى مسلحة تحفظ تراب الوطن وتدافع عنه. في العقل الغربي يجب أن يسقط كل هذا، أن تنمحي كل حقوق المواطنية، وأن لا تظل هنالك شرعية أو مجرد أمل بها. سوريا هي الدليل، والعراق هو الأوضح، ومصر الآن معلقة على الجلجلة، وغدا آخرون، وأقول آخرين لعلمنا بما يراد لعموم المنطقة من فرض شروط الفوضى المنظمة، بمعنى أن تهرس الفوضى مجتمعاتنا لكن الكونترول الأميركي الغربي يظل قائما عليها كي لا تفلت من أياديهم.
ثم هل مسموح إقامة سلطات وطنية، بمعنى عدم تبعيتها للغرب أو استقلالية قرارها .. عندما أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن الأزمة في سوريا قد تؤدي إلى حرب كبرى كان يشير إلى الصراع بين القائم في بلاده، ليس بين الخير والشر على أساس أخلاقي، وإنما بين الساعين لفرط الاستقلالية السورية والمتمسكين بها، رغم صعوبتها التي أدت إلى تلك النتائج المدمرة.
لا أقول إن عالمنا مسكين، لكن شعوبه لم تعِ بعد أنها هي المستهدفة وليس نظامها، وأنها في دفاعها عنه إنما تدافع عن نفسها ومستقبلها. وأن الانقلاب الشعبي الذي حصل في سوريا إلى جانب الدولة والنظام، لم يأتِ إلا بعد مخاض وقناعة بأن المستهدف هو مستقبل سوريا أكان يحكمها الرئيس الأسد أو غيره .. وكذلك الحال مع مصر التي تتأهب لمرحلة مشابهة.
عالمنا العربي في قمة فوضاه، لكنه أيضا بات يفهم اللعبة الدائرة عليه .. لقد تغيرت قيادات ووجوه وأنظمة وظل الشعب هو المتجدد.

زهير ماجد