شبكة النبأ: لم تكن فكرة الاصلاح نزهةً، أو ضرباً من الادّعاء، أو الفكر المجرد، ولا هي نوع من لغط الكلام لملء فراغات الورق، او المنصات التي يتحدث من ورائها المفكرون والمصلحون وغيرهم، بل هي فعل خلاق يهدف الى تغيير الواقع والثورة عليه، ونسف القديم الساكن، وزرع الجديد المتحرك المنتج، القادر على ادامة عجلة الحياة ودفعها الى امام دائما. لذلك ليس سهلا أن يدّعي احدهم قضية الاصلاح، ما لم يكن مؤهلا لهذا الدور فكريا ومعنويا وعمليا، وهكذا كان الامام الحسين عليه السلام، سليل الدوحة المحمدية المباركة، و وريث الثوار العظماء اللذين غيروا مجرى التاريخ، كي يليق بكرامة الانسان الذي خلقه الله تعالى، وأعزّه وجعل منه سيدا وقائدا لنفسه، وللكائنات التي تضج بها المعمورة، وسمائها وبحارها وصحاريها. وهكذا كانت وقفة الامام الحسين عليه السلام، سليل الثوار والمصلحين العظماء، وقفة اصلاحية وضعت حدا للانحراف الاموي الظالم، عندما اخذت مسيرة الدولة الاسلامية تنحرف نحو التفرد وتضخيم الذات المتسلطة، فصار الانسان ممتهَنا في كرامته وممتلكاته وافكاره، وبدأ السلطان يحرّف الاسلام ويجعله يتماشى مع مآربه السلطوية المريبة، لهذا كان لابد من وضع حد لهذا الانحراف الخطير، ومن هو الأولى بهذه المهمة، غير سلسل الاحرار وسيد الثوار، الامام الحسين عليه السلام، الذي أعلن للجميع على رؤوس الملأ جهارا نهارا: إني (خرجتُ لطلبِ الاصلاح في أمةِ جدي محمد). لقد كانت دفة الانحراف تسير بأمة الاسلام نحو الهاوية، عندما غابت العدالة وتسيّد القهر السياسي والعدوان، والاستخفاف بالناس، وبمصالحهم وحقوقهم وحرياتهم، وكأن الناس عبيد السلطان!، فكانت وقفة الطف التي دارت رحاها على ارض الغاضرية، لتقدم للانسانية درسا في الكفاح العظيم ضد السلطة المتنمرة، مع العلم أن الثائر العظيم الامام الحسين عليه السلام، كان يعرف قوة الاعداء واساليبهم في الخبث والعداء، لذلك كانت معركة الاصلاح، بحاجة للإعداد الجيد على الصعيدين النفسي المعنوي والمادي. فحاول الامام الحسين عليه السلام، تغذية الامة بروح المواجهة كما في قوله: (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما)، أي اراد خلق روح تعبوية لدى الجماهير لمواجهة الانحراف الحاصل، والمستجد في واقع الدولة الاسلامية التي أخذت تنحدر نحو مسارات مجهولة من الظلم والظلام، نتيجة لسوء الفكر والنوايا، والسلوك الذي يرسم آنذاك العقلية السلطوية الاموية، التي وضعت قيم الاسلام ومبادئه خلف ظهرها، لذلك لم يكن هناك أي مجال للصمت، أو التغاضي عن هذه الانحرافات الخطيرة التي كان يتعرض لها الاسلام والمسلمون. وكان لابد من عملية بناء جديدة هدفها الاصلاح اولا، لكي تضع حدا لمسارات التخبط والتيه والابتعاد عن روح الاسلام العظيمة، ومبادئه الخلاقة، ولعل الباحث المتتبع إلى المجتمعات البشرية، بكل توجهاتها، يجد ان عملية بناء المجتمع المتكامل، لا يمكن ان تتم إلا من خلال مجموعة من العمليات الإصلاحية، الرامية إلى تصحيح مسار هذه المجتمعات، والحركة التكاملية الموجودة داخل اي مجتمع هي حركة ارادية حرة، تختلف بمضمونها عن الحركة الحتمية للكون والتي حدد مسارها الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان لابد من ايجاد عملية اصلاح مستمرة للمجتمعات التي بطبيعتها قد اكتسبت سمة التغيير الدوري، في مختلف الفترات الزمانية والظرفية التي مرت بها، وهنا نجد ان ضرورة وحتمية وجود المصلح او المرشد الذي يتصدى لمهمة الاصلاح، فكانت ثورة الامام الحسين عليه الاسلام الاصلاحية هي المصدّ المناسب لحالة الانحدار والانحراف الذي ألبسه السلطان الاموي للدين والدنيا معا. لهذا خرج سيد الاحرار وسليل الدوحة النبوية العظيمة، لإطلاق عملية الاصلاح في امة الاسلام، واعادة الامور الى جادة الصواب، بعد أن عاثت السلطة الاموية المنحرفة فسادا في ارض المسلمين، وأساءت لمبادئ وتعاليم الاسلام، فتدهور المجتمع الاسلامي وتعرضت القيم الى موجة خطيرة من السقوط القيمي والديني والاخلاقي، لذا خرج الامام الحسين عليه السلام مصلحا خالدا، أعاد الامور الى نصابها في أمة الاسلام بالمعمورة كلها. |