مقترح إلغاء مجلس الشورى!
قاسم حسين
Kassim.Hussain@alwasatnews.comمن أغرب وأطرف وأخطر الأخبار التي قرأناها الأسبوع المنصرم، رفض مجلس الشورى الموريتاني الذي عيّنته الحكومة، طلبها حلّ نفسه!
المجلس يسمّونه في موريتانيا مجلس الشيوخ، حيث يتم تعيين رؤوس القبائل التقليديين، والنافذين والمسئولين السابقين المتقاعدين، ويمثل قوةً لموازنة المجلس المنتخب. وهي عمليةٌ مكررةٌ في عالم الديمقراطيات العربية، حيث يُستخدم مثل هذا المجلس المعيّن لتلبية كل رغبات الحكومة وتمرير كل قوانينها وأهوائها، على قاعدة «طلباتك أوامر».
الاقتراح بحلّ المجلس جاء من السلطة الموريتانية نفسها، حيث يبدو أن هذا المجلس أصبح حاجةً زائدةً، ولم يعد له لزوم، وتحوّل إلى عبء على ميزانية الدولة التي تعاني من متاعب اقتصادية جمّة منذ سنوات، نتيجة انخفاض أسعار المعادن، وتراجع الزراعة والصيد، في بلدٍ يعاني من شحة الموارد واقتصاد مهلهل يعاني من الديون.
الحكومة بالتجربة، اعتادت أن ينفّذ المجلس أوامرها بالإشارة منذ تأسيسه قبل ربع قرن، وكانت تعتقد أنه سيستجيب أيضاً لاقتراحها الأخير بحلّ نفسه، لكن حساباتها كانت خاطئةً تماماً، فتفاجأت برد فعل الشيوخ!
الشيوخ قالوا في مجال ردّهم على مشروع الرئيس، بأن مجلس الشيوخ نفسه إنما هو جزء مهم من المنجزات الديمقراطية العريقة! وبالتالي لا يمكن التفريط به أو القبول بحلّه مهما كانت الظروف والمبرّرات! وأنهم كانوا يقومون بأدوار ضخمة في خدمة البلاد والتنمية الاقتصادية والرفاه السياسي والتطور الفني والصعود الرياضي! لكن الحقيقة أنهم كانوا خائفين من الحل الذي سيعني تسريحهم وتحويلهم إلى عاطلين عن العمل!
بعضهم هدّد بالتمرد على السلطة وإعلان العصيان المدني في حال إصرار السلطة على حلّ المجلس! وفكّر بعضهم بتخويف السلطة بالإشارة إلى «قاعدة الجهاد في المغرب العربي» أو التلويح بالاستعانة بتنظيم «داعش» لترضخ السلطة لرغباتهم في البقاء واستمرار الامتيازات، حيث تتوالد الفلوس التي تُنعش النفوس!
هذه الغضبة التي أبدى بها الشيوخ عن النواجذ والأنياب، دفعت الرئيس إلى عقد لقاءات معهم لامتصاص غضبهم واسترضائهم وتطييب خواطرهم الغالية، خصوصاً أنهم يُعتبرون عملةً نادرةً لا يجب التفريط بها، في وقت تقاطع فيها المعارضة التعديلات الدستورية التي أرادها الرئيس.
هذا ما كان من رد فعل أصحاب السعادة الشيوخ، الذين يخدمون النظام فينالون الحظوة، ويمنّون عليه بين فترةٍ وأخرى، وبمناسبةٍ ودون مناسبة، بأنهم من أصحاب «الولاء». أما الشارع فكان موقفه غاضباً، فالمجلس لم يعد لوجوده داعٍ، بل أصبح مثل الزائدة الدودية التي يجب استئصالها والتخلّص منها من أجل صحة البدن، بعد أن أصبح عبئاً مالياً كبيراً في عصر تراجع الموازنات، أشبه ما يكون بالعلق الذي يمتص الدم بشراهةٍ كما تفعل الطفيليات.
آخرون رأوا أنه إذا كان ضرورةً للنظام فيما مضى، فإنه لم يعد كذلك في هذا الزمان، خصوصاً أن البرلمان يضمن الولاء المطلق لدى غالبية النواب «المنتخبين»، حتى أصبح المجلسان يعرفان بالمجلس «الطيّع» أو «المطيع»!
بعضهم قدّم جردةَ حسابٍ لكشف كم يكلّف هذا المجلس من أعباءٍ لم تعد محتملةً في هذا الزمان، فهناك 40 في المئة من الشعب يعيش تحت خط الفقر، ونسبة البطالة تجاوزت 30 في المئة، ومثل هذه الأموال التي تذهب في بطونهم يجب أن تُصرف للتخفيف من غائلة الجوع وإنقاذ العوائل التي ينهشها الفقر.
يوم الجمعة الماضي، كان يوماً تاريخياً في موريتانيا، حيث كانت أول مرةٍ خلال خمسة وعشرين عاماً، يرفض فيها مجلس الشيوخ المعيّن أحد أوامر الحكومة ويقاوم رغبتها، وهو ما يمثل سابقةً للمجالس المعينة في الدول الأخرى، إذا ما فكّرت يوماً بالتخلص من المجالس الزائدة عن الحاجة.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5308 - الإثنين 20 مارس 2017م