حديث الجمعة 12/10/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة

حديث الجمعة 12/10/2001م لسماحة الشيخ عبد الأمير الجمري في جامع الإمام الصادق(ع) - المنامة



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.وبعد، فقد قال الله تعالى"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران:110) .

أيها الأحبة: سيكون كلامنا اليوم على ضوء الآية الكريمة، وانطلاقا منها، فنقول: توحي الآية المباركة بأن الأمة الإسلامية عندما صنعت على يد المنقذ الأعظم محمد(ص) من خلال رسالته العظيمة جُعِل لها خطٌ عريضٌ لابد أن تتحرك فيه في كل مرحلة من مراحل حياتها، وفي كل دور من أدوارها...هذا الخط هو خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأجزاء الآية مترابطة لاانفكاك لأحدها عن الآخر. فالأمة ليست خير أمة أخرجت للناس بدون قيد أو شرط، كما استغلّت أكثر من جماعة الآية، حيث يأخذون من القرآن ما يحقق أغراضهم فقط. استَغلوا هذه الآية، وبالأحرى أخذوا جزء من هذه الآية وهو: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ليدّعوا بأن الأمة العربية هي خير أمم الأرض بدون قيد أو شرط. وما هي ميزة الأمة العربية بحيث تكون خير أمة أخرجت للناس بدون قيد ؟ إن الآية المباركة قد بينت الخط الذي على أساسه ومن خلاله تكون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس وهو خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أجل خير أمة أخرجت للناس من خلال هذا الخط، وليس من خلال الصفة القومية، ولا من خلال الموقع الجغرافي، أو الصفة الجغرافية، ولا من خلال اللون ولا اللغة وان كانت لغتها هي لغة القرآن، والقرآن نزل بها، و لغة أهل الجنة كما في الحديث، ولا لأن الرسول الأعظم وهو سيد الأولين والآخرين عربي، فانه نفسه (ص) يقول:"لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" موافقا للقرآن في قوله تعالى:"إن أكرمكم عند الله أتقاكم". صحيح أن كون النبي (ص) عربياً مفخرة عظمى للعرب، ولكن هذا حجة عليهم قبل غيرهم، ولقد قدّم الحق وقدمت السماء إلينا هذا الأمر بلغة الامتنان، قال تعالى "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" (التوبة:128) أي: جاءكم رسول من المحيط الذي أنتم فيه، والمجتمع الذي أنتم فيه، أو منه ومن عمق الأرض التي تعيشون عليها، ومن قلب البيئة التي أنتم فيها، جاءكم هذا الرسول (ص) يحمل همومكم وآلامكم، كل همه أن يحمل مشاكلكم، ويهديكم، ويسعدكم، ويريحكم، يعز عليه ما تحملون في حياتكم من مشاق ومصاعب، يعز عليه أن تقفوا موقف العناد من رسالته، حريص على سعادتكم ونجاحكم، يحوطكم بما يملك من طاقات ليدفع عنكم التحديات، ويحقق حريتكم، ويجعلكم قادة لا مقودين، مرفوعي الرؤوس، عزيزي الجانب. ولي هنا وقفة وخلاصة هذه الآية: أولاً: أن الآية حينما ذكرت المعروف والمنكر، لم تقيدهما في الحلال والحرام ولا في الصلاة والصيام، أو شرب الخمر، كما هو المفهوم التقليدي الدارج، وإنما ربطت الخير بالمعروف الذي يشمل العمل الصالح المفيد على المستوى الفردي وعلى مستوى الدولة من الصدقة على الفقير إلى الخطة الاقتصادية أو السياسية المفيدة للدولة والأفراد. ثانياً: أن الآية تشير للأمة القيادية، الأمة القائدة المتبوعة، وليست التابعة للغير. فالآية أبداً لم تعط صفة الخيرة أو القيادية للأمة فقط لأنها الأمة المسلمة حتى وإن كانت متخلفة في برامجها وسياساتها، هذا كلام مرفوض.الآية ربطت بين القيادية والتسلح بالعلم والعمل الصالح، أما إذا كانت الأمة تستورد من الغير حاجاتها الغذائية وأبسط حاجاتها من الإبرة إلى السيارة، وقراراتها الاقتصادية والسياسية، فلا يمكن أن تكون هذه الأمة قيادية بل مقودة وتابعة للغير. هذه الآية تحثنا وتحث قيادات الأمة الإسلامية الرسمية والشعبية لإعادة النظر في خططها وبرامجها من أجل النهوض ببلادنا ومجتمعاتنا، وهذا يتطلب السماح بالمشاركة الشعبية ومبدأ تكافؤ الفرص والذي بدأنا نتلمس أول خطواته.

وقفة عند مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي: في البداية لابد أن أشير إلى أن الوزراء تحدثوا في بيانهم الختامي عن نقاط جيدة ومهمة، فقد أدانوا العمليات الإرهابية وأكدوا على تنافيها مع تعاليم الإسلام، ورفضوا بصورة واضحة الربط أو الخلط بين الإرهاب وحق الشعوب الإسلامية والعربية في تقرير المصير، ومقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، لكني أريد أن أسجل عدة نقاط كان من المفروض أن يكون للمؤتمر منها موقف أكثر تحديداً ووضوحاً: أولاً: إدانة الضربات الأمريكية لأفغانستان، والتي تعتبرها متسرعة لم تستنفذ الحلول السياسية والأمنية، وتفتقر للغطاء القانوني والدولي المتمثل بالأمم المتحدة. ثانياً: رفض المعايير المزدوجة والحالات الانتقائية، فالدماء الفلسطينية التي تنزف ليل نهار على أيدي الصهاينة الغزاة هي دماء محترمة ومحرّمة كما هي الدماء الأمريكية. وعليها فالحرب على الإرهاب كان يجب أن يشمل ويبدأ بالإرهاب الإسرائيلي المنظم لأكثر من 50 عاماً، وبالتالي فقد كان على المؤتمر أن يكون أكثر وضوحاً وصرامةً في هذه النقطة، خصوصاً في هذا الظرف الحساس. ثالثاً: عبّر المؤتمر عن قلقه لسقوط الأبرياء والمدنيين، وأكّد على ضرورة المحافظة على وحدة الأراضي الأفغانية، فكيف يكون ذلك بدون آلية واضحة والطائرات الأمريكية تقصف ليل نهار دون تفريق بين موقع مدني وآخر عسكري، فحتى الآن سقط أكثر من 300 قتيل نساءً وأطفالاً، وهُدِمت مساجد ومدارس.

ولي وقفة مع تصريحات سمو الأمير: فقد تحدث سمو الأمير في لقائه مع مجلس جمعية العمل الوطني الديمقراطي عن قضايا رئيسية، بعضها كان حقاً يحتاج لتصريح صريح من سموه شخصياً، فقد أكّد على مرجعية الدستور قائلاً: "أطمئن الجميع أن التعديلات على الدستور لن تصبح نهائية إلا من خلال الآلية التي نصّ عليها الدستور"، وهذا يعني أنها ستعرض على البرلمان المنتخب لمناقشتها وإقرارها، وهذت بالضبط ما قاله وأكد وأصدر فيه تصريحاً على لسان سعادة وزير العدل والشئون الإسلامية وذلك قبل التصويت على الميثاق. وبخصوص الازدواجية المتوقعة بين المجالس البلدية ونظام المحافظات، أشار إلى أن المجالس البلدية ستكون منتخبة وتدير كل شئون المنطقة ولا دخل للمحافظات في ذلك. وهذه التصريحات جاءت لتؤكد على إصرار سمو الأمير في المضي في العملية الإصلاحية وأن لارجعة عن هذا الخيار المبني أساساً على بناء الإنسان وحقه في المشاركة وبناء الوطن. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإلى أرواح شهدائنا الأبرار، وجميع أموات الأمة الإسلامية رحم الله من قرأ سورة الفاتحة تسبقها الصلوات.