خطبة الجمعة التي ألقاها سماحته لهذا اليوم
الشيخ القائد: بأي حصيلةٍ خرجنا من عاشوراء؟
المحرر - 24/12/2010م - 7:53 م | عدد القراء: 27
سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم
دخلنا عشرة عاشوراء ونحن نحب الحسين (عليه السلام) شيءً من حب، ولا أقول الحب كله احتراما لحب الحسين (عليه السلام) ولتخلفنا الكثير عملاً عن هذا الحب، ونؤمن بإمامته بدرجةٍ وآخرى، ولا أقول الإيمان كله لإخلال حياتنا الكبير بمتطلبات هذا الإيمان ومقتضاه،
ونراه قدوةً تأخذ بالألباب (كنا هكذا قبل محرم ندخل محرم ونحن نرى الحسين (عليه السلام) قدوةً تأخذ بالألباب) وقلوبنا معه ولنا حزنٌ على مصابه وفزعٌ لواعيته واعية الإسلام.
أما حياتنا فكانت معه حيناً ومفارقةً له حينا، وايدينا معه حيناً وعليه حينا، ومواقفنا وعلاقاتنا وكلماتنا مسايرةً له حينا ومنابذةً له حينا، وتضحياتنا من اجله حينا ومن اجل أعداءه أو هوانا حينا، هكذا دخلنا محرم، وقد دخلت أمةٌ واسعةٌ كربلاء الأصل وهي تحب الحسين (عليه السلام) شيءً من حب، وتؤمن بإمامته كما نؤمن بها، وتراه قدوةً كما نراه، وقلوبها معه، وكان لها حزنٌ على مصابه وفزغٌ لواعيتها، ولكن منها من اشترك فعلاً في دمه ودم أنصاره وترويع حرمه وسلب نسائه، ومنهم من خذله ووقف موقف المتفرج من قتله، ومنهم من طلب الهروب والإعتزال لأل يشترك في جريمة الحرب عليه دون أن ينصره، ومنهم من تردد في الأمر حتى غلبته شقوته، فما نفع ذلك الشيء من الحب والإيمان والرؤية الكثيرين ممن كانوا عليه ويتباهون به.
لقد كان الإيمان منقوصا، والحب مزاحماًً بحب الدنيا، والسلوك العملي في مساحةٍ كبيرةٍ منه ليس على طريقه، والإرادة أمام رغبة الدنيا ورهبتها مهزوزةً مهزومةً ساقطة، وبذلك وصل الأمر أن تكون القلوب معه والأيدي عليه أو لا تنصره، فالنحذر من هذا المصير.
وما دام إيماننا سطحيا، وحبنا لله وللدين والحسين (عليه السلام) مزاحماً بحب الدنيا، وسلوكنا في مساحةٍ كبيرةٍ منه لا يلتقي وخط هذا الحب[1] وإرادتان مهزومةً أمام الدنيا في رغبها ورهبها، وولاءاتنا وعلاقاتنا كثيراً ما تتحرك خارج دائرة الإيمان، فلن نضمن آلو جد الجد وصعب الحال وتقابلت الدنيا والأخرة في موقفٍ حاسم، وتحتمت خسارة احادهما في معركةٍ فاصلة، وتقاتل الإمام الحسين (عليه السلام) ويزيد ـ الحق والباطل ـ أن ننصر الحسين (عليه السلام)، ولا تكون أيدينا عليه وإن كانت قلوبنا معه، ولا نخذله ولا نظهر الشماتة به وإن كنا نقرؤها.
قد يعدُ البعض هذا مبالغةً في القول بعيدةً عن الواقع، ولكني اطرح هنا مثالاً وهو أقل بكثيرٍ فيما يكلفه موقف الإلتزام فيه بالحق، مما تكلفه حرب السيوف يخوضها الحسين (عليه السلام) مكثرواً من الأعداء، قليل الناصر، تحيط به المنية ومن معه من كل مكان. وبهذا المثل الصغير في كلفته، العظيم جداً فيما يلحقه بالإسلام من قوةٍ أو ضعف، أو عزٍ أو ذل، وظهورٍ أو ضمير، نستطيع أن نقيس مواقف جماعاتٍ كثيرة وقبائل كثيرة ومناطق كثيرة وأفرادٍ كثيرين منا ـ نحن الذين نقول بأننا نؤمن بالاسلام ونحب الحسين (عليه السلام) ونواليه ـ من مواجهةٍ دمويةٍ حاسمة بين حياة راغدة نتوقعها مع يزيد وشهادةٍ محتمةٍ تحت راية الحسين (عليه السلام)، مع عقوباتٍ قاسية تلاحقنا إذا انهزم الحسين (عليه السلام) عسكرياً وقتل.
المثال هو: أن لو عاشت الأمة اليوم تجربةً انتخابيةٍ لإمامٍ عامٍ لها، وخاضت تجربة مرشحان أحدهما يرضاه الحسين (عليه السلام) وآخر يرفضه، وكانت للثاني دعايته الواسعة وإعلامه العريض وميزانيته الضخمة وعلاقاته المؤثرة وإرتباطاته القومية والقبلية والجغرافية المتينة وصلاته الوثيقة بمراكز القوى المختلفة، وذلك على عكس ما عليه الأول. فكم هم الذين سيسقط وعيهم أمام قوة الإعلام، وتنهزم نفسيتهم أمام سلطان المال، ويهيمن عليهم خيار القبيلة والقوم والمنطقة، ويردعهم عن متابعة ضميرهم في اختيار الأصلح خوف تأثر المصالح، وغضبة قوى الشر، وسيشاركون في هزيمة الإسلام وضربته ضربةً قاضية؟
يظهر أنهم ليسوا قليلين، كما تدل عليه بعض التجارب الحية في عددٍ من المساحات الإسلامية.
أما لو كانت اليوم معركةٌ كمعرفة الحسين (عليه السلام) ويزيد في فصولها الأخيرة، الحسين (عليه السلام) ومن معه فيها مقتولون كما كانت تشير إليه كل الدلائل، ويزيد منتصر، ومن بقي من الناس بعد ذلك شيعةٌ للحسين (عليه السلام) خائفون، محرومون، معانون، مطاردون، مشردون، مقتولون. وشيعةٌ ليزيد أمنون، مقربون، مكرمون يزاد في عطائهم. فإن الناصر للإمام الحسين (عليه السلان) لن يكون الكثير، وإن أنصار يزيد لن يتصفوا في هذا الحال بالقلة. علينا أن نربي أنفسنا أكثر مما عليه نحن الأن من تربيةٍ لها لنصمد.
نعم، إذا كبر توقع إنتصار الحسين (عليه السلام) وأن تصير الدنيا بيده فسيكثر ناصروه.
ولنرجع إلى عنوان هذا الحديث، وهو: بأي حصيلةٍ خرجنا من عاشوراء؟
ما يقدمه موسم عاشوراء كثير، اذكر بعضا:ـ
* يخرج المؤمنون منه بإنشدادٍ عاطفيٍ أكبر للحسين (عليه السلام).
* موسمٌ يعز به الدين، ويظهر أمره، وتفشو كلمته.
* يرفع من مستوى الحماس لدين والغيرة من لأجله.
* يقدم فكراً دينياً ووعياً عاما، وبصيرةً ميدانية.
* يعزز الثقة بالإسلام وقدرته على الإنقاذ وصدقه واخلاصه.
* يصحح من مستوى الإرادة وتوجهها.
* يشدُ الجيل الناشئ باسلامه، ويؤكد ارتباطه الفكري والنفسي به.
* يثير الشوق العملي للعدل والكراهية لظلم.
* يعطي حضوراً عملياً واسعاً مشهوداً للدين في الساحة الإجتماعية العامة.
يعطي هذا والكثير غيره من الخير، ومع ذلك علينا أن نسأل أنفسنا بعد كل موسم من مواسم عاشوراء، هل وصلت حصيلتنا من هذا الموسم أن نقف مع خيار الحسين (عليه السلام) في كل خياراتنا وعلاقاتنا؟[2] وفيما نقرأ، ونسمع، ونكتب[3]، ونتكلم، ونفعل، ونصادق، ونعادي، ونكسب، وننشط، ونقيم، ونسافر، وندرس، ونعاشر، ونأكل، ونلبس؟ وهل نصرتنا في كل ذلك للدين أو لغيره؟ للحسين (عليه السلام) أو عدوه؟
فإن كل مخالفةٍ لدين الله فيما نأتيه أو ندعه نصرةٌ لغير الدين عليه[4]، ولعدو الحسين (عليه السلام). وكل موافقةٍ للدين هي نصرة للدين والحسين (عليه السلام)، وهذه المعركة اليومية، ومدى النجاح والفشل فيها، هي التي تقف بنا مع الحسين (عليه السلام) ولو احتوشته السهام وكان قدرٌ محتمٌ له الشهادة، أو تقف بنا مع عدوه نشاركه قتله وسلبه وسبي حريمه، ولا أقل من أن نمنعه النصر ونخذله وننكر حقه العظيم[5].
أجدنا لم نبلغ الكثير في هذه المعركة الضارية الطاحنة، وأن علينا أن نبذل جهوداً مضنيةً لنبلغ شيءً مجزياً فيها.
[1] كم من يوماتي تلتقي مع خط حب الحسين (عليه السلام)؟ وكم منها يفارق هذا الخط؟ وكم من سلوكات يومية ما يُعدُ نصرةً للإمام الحسين (عليه السلام) وما يُعدُ حرباً على خطه ومدرسته؟.
[2] فالنمتحن أنفسنا في خياراتنا اليومية المتعددة.
[3] اترك شيءً من قراءة؟ اترك هذا لا أقرأه، اقبلُ على ذاك أقرأه، اسمع هذا، اترك سمع الشيء الثاني؟ وهكذا.
[4] كم ننصر أعداء الدين على الدين، حينما نلبس لباساً يفسد أمر الدين؟ وحينما نقيم حفلاتٍ تفسد أمر الدين؟ حينما نخطو ولو خطوةً صغيرةً لإشاعة الفاحشة ـ حالة التحلل ـ. كم وكم؟.
[5] طبعاً الشخصية لا تستوي في يوم واحد، ولولا جذورٌ في نفس الحر، ومواقف إلتزام، ودرجة وعي، ومكافحة للنفس، لما انقلب في لحظة. إن الله على كل شيءٍ قدر ولكن طبيعة النفوس هي أنها لا تتحول التحول الجذري من غير خلفيةٍ وسند.