مقالب الولد الشقي!
أول مرّةٍ قرأت فيها مقالاً للكاتب الساخر محمود السعدني في منتصف الثمانينيات، في عددٍ قديمٍ من مجلة «الدوحة» القطرية، يستهله بالاعتراف بأنه سُجن ثلاث مرات: مرةً لأنه كان ضد الحكومة، ومرةً كان مع الحكومة، أما المرة الثالثة فلم يكن مع الحكومة ولا ضدها... ومع ذلك سجنوه!
في السنوات اللاحقة، حرصت على اقتناء عددٍ من كتبه التي يستعرض فيها حكاياته المرّة في الحياة، «الولد الشقي في السجن»، «الولد الشقي في المنفى»، و «ملاعيب الولد الشقي». وبعض كتبه تكفيك قراءة عناوينها لتضحك، مثل «الموكوس في بلاد الفلوس»، و «السعلوكي في بلاد الافريكي»، و «أمريكا يا ويكا»، و «ابن عطّوطة» (حيث تشم في الأخير رائحة ابن بطوطة)! وله كتاب «حمارٌ من الشرق»، ربما يعارض فيه توفيق الحكيم الذي كتب «عصفورٌ من الشرق»... ولو كان في دولةٍ أخرى لقال بعض كتّابها ممن لم يسمعوا بعد عن الكتابة الساخرة بأنه «يتطنّز عليه»! أما في مصر فيقول عنه كامل الشناوي: «يخطئ من يظن أن السعدني سليط اللسان فقط، بل هو سليط العقل والذكاء أيضاً».
في إحدى السنوات، كتب مقالاً بعنوان «النائب وأنف الحاقدين»، ابتدأه بسؤال: لا أدري كيف سمح وزير مسئول لنفسه بالنطق بهذه الكلمات التي اتسمت بالجليطة وقلّة الذوق؟ كلمات منفوضة بالغرور والتعالي وعدم المبالاة»؟
ويضيف: «الكلمات التي أقصدها هي التي نطق بها الوزير سيد مشعل، الذي أصبح نائباً من نواب الشعب عن دائرة حلوان, وقد نطق الوزير بها في ندوةٍ بأحد المعاهد, قال لا فض فوه: (أنا أشهر نائب في البرلمان, لأنني أصبحت نائباً بالرغم من صدور 6 أحكام ضدي... ولكني وبالرغم من كل شيء ها أنذا أصبحت نائباً رغم أنف الحاقدين)». فالنائب المخضرم يتفاخر بأنه وصل للبرلمان رغم كل القضايا المرفوعة ضده، ورغم الأحكام القضائية التي منعته أصلاً من الترشيح!
في كتاباته، يعرض السعدني مغامراته في الحياة وحكاياته في الصحافة، ويقول: «رغم الظلام الذي اكتنف حياتي، ورغم البؤس الذي كان دليلي وخليلي إلا أنني لست آسفاً على شيء، فلقد كانت تلك الأيام حياتي».
في إحدى المرات، كتب مقالاً صغيراً من 250 كلمة، عن أحد الوزراء الذين تجاوزوا سن التقاعد بعقدين ولم يُحل للمعاش، فردّ عليه برسالةٍ من 2500 كلمة، تغطّي صفحةً كاملةً من الصحيفة، يعني ردّ على كل كلمةٍ بمئة كلمة، وطالب بنشرها على الصفحة الأولى أو الأخيرة، من باب حق الرد! وحاول في الرسالة أن يثبت حاجة الجمهورية الماسّة إلى خدماته، حيث لا يوجد خبيرٌ زراعي آخر في مصر كلها غيره يمتلك نصف مؤهلاته، مع أنه كان قد مضى على تخرجه من جامعة فؤاد الأول سبعون عاماً!
إحدى مشاكل السعدني كانت تحدث مع بعض زملائه الذين تحوّلوا من مهنة المتاعب إلى دواوين الوزارات لتولّي كتابة الردود نيابة عن الوزراء المقصّرين في أعمالهم. وبعضهم كان مبتدئاً ويعاني من ضعفٍ في الاستيعاب وركاكةٍ في التعبير، فيقرأ المقالات ويفهمها بالمقلوب!
يقال إنه سبب وفاته رحمه الله، أنه كتب ذات مرةٍ مقالاً يؤيد فيه سياسة وزير الزراعة في توزيع البذور والسماد على الفلاحين، ولكنه تفاجأ في اليوم التالي بوصول ردّ سطحي، فأصيب بنوبةٍ من الضحك، وكان آخر كلمة تلفظ بها: «ايه ده، دول ميفهموش عربي خالص، منين جايبينهم؟ من الكونغو برازافيل»؟
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3045 - الجمعة 07 يناير 2011م الموافق 02 صفر 1432هـ