تحديـــات جديـــدة أمـــام اللغــة العربيـــة
عبدعلي الغسرة
صحيفة الوطن - العدد 1858 الثلاثاء 11 يناير 2011
تعد اللغة العربية من اللغات الحية التي ما تزال تحتفظ بكثير من الخصائص من حيث قوة الألفاظ، ورصانة المعاني، ويعود ذلك إلي كونها لغة القرآن الكريم، وهي من أكثر اللغات السامية تحدثاً، إذ يتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة، يتوزع متحدثوها في أقطار الوطن العربي وبعض الأقطار الإسلامية والنامية، وهي اللغة المقدسة في الإسلام، وفي القرآن الكريم، ولا تتم الصلاة إلا بها، وبفضلها انتشر الإسلام من بين الكثير من الدول غير الناطقة باللغة العربية، مما أدى إلى ارتفاع مكانتها، ولها الأثر في انتشار الإسلام وتأسيسه للدول الإسلامية، وأصبحت تالياً لغة السياسة والأدب والعلم لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون. كما إن اللغة العربية أثرت تأثيراً كبيراً على اللغات الأخرى، كالتركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والأندونسية والألبانية وبعض اللغات الأوروبية. وامتد تأثير اللغة العربية كمفردات لغوية في كثير من اللغات بسبب الإسلام والجوار الجغرافي وممارسة التجارة بين العرب والممالك الأخرى. ومازالت بعض اللغات الأجنبية تستعمل الأبجدية العربية للكتابة، ولم تتأثر اللغة العربية باللغات المجاورة كثيراً على رغم الاختلاط الكبير بين العرب وشعوب تلك الدول، إلا أنه حدثت حركة استعارة من اللغات الأخرى لبعض المفردات التي لم يعرفها العرب. قبل الإسلام كانت تسمى اللغة العربية لغة مضر، التي استخدمت في شمال الجزيرة، وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها، بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة لغة حِمير نسبة إلى أعظم ممالك اليمن آنذاك، وما كاد النصف الأول للألفية الأولى للميلاد ينقضي حتى كانت هناك لغة لكل قبيلة من القبائل العربية التي كان كل قوم منهم يفهمون غيرهم بسهولة بواسطة هذه اللغة. وكانوا يطلقون عليها لغة الضاد، فالضاد للعرب خاصة. ويتم تدريس اللغة العربية اليوم في مختلف الجامعات والكليات العربية والإسلامية والغربية في مختلف القارات. وقد هجر كثير من العرب اليوم لغتهم، وبدأوا يتحدثون بلغات مخلوطة بين العربية وغيرها، وبدلاً أن يقول العربي (حاضر أو إن شاء الله) يقول (ok) وبدلاً من أن ينادي والديه بلفظ (ماما أو بابا) يناديهم (مام أو بابي)، وغيرها كثير من المفردات العربية التي هجرتها الألسن والقلوب. هذا الاستخدام المفرط للمفردات الأجنبية الكثيرة أدى إلى أن تواجه هذه اللغة مجموعة من التحديات العصرية الرقمية، ومن هذه التحديات التي تواجهها اللغة العربية أن نسبة مساهمة المحتوى العربي في الشبكة العنكبوتية أقل من واحد في المائة من الإجمالي العالمي بالرغم من الاستخدام العربي الكثيف للغة العربية، إذ يشكل مستخدموها 5٪ من سكان العالم. وهذا يدل على محدودية الانخراط العربي في المجال المعلوماتي، إذ يبلغ عدد المستخدمين للشبكة العنكبوتية 550 ألف مشترك عربي من بين أكثر من مليار مستخدم، كما إن اللغة العربية تحتل هامشاً ضئيلاً من الصفحات على الشبكة، فاللغة الإنجليزية تحتل 82٪ من إجمالي 8 مليارات صفحة وباقي اللغات ومن بينها اللغة العربية تحتل النسبة المتبقية وقدرها 18٪؛ وهو رقم يعكس وضعية الواقع ألمعلوماتي واختلاله بالنسبة للغة العربية وباقي اللغات الأخرى الذي يؤثر بدوره على الثقافة الإلكترونية لدول هذه اللغات. كما إن الإحصائيات تشير إلى أن حصة الإنتاج الفكري باللغة العربية لا يتجاوز 5ر1٪ من الإنتاج الفكري العالمي المنشور على الواب. وكذلك فإن اللغة العربية تعاني من منافسة الثقافات واللغات والمنظومات المعلوماتية الأخرى، وتنامي المصطلحات المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيات التطبيقية المعولمة، وكثيراً لا نجد أي مصطلح عربي مقابل لهذه المصطلحات الأجنبية، وأيضاً فإن التعامل الفردي للغة العربية يكون باللهجة العامية (لغة المحاكاة) وعدم استخدام اللغة العربية الفصحى في المحادثة الإلكترونية وفي الكتابة. هناك عدد آخر من التحديات تواجه لغتنا العربية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: قيام وزارات الإعلام ببث مواد وبرامج تعزز اللهجات الدارجة، واستخدام لغة منفرة أثناء تقديمها لهذه البرامج. تدريس كثير من المواد التدريسية بما فيها اللغة العربية باللهجات الدارجة. انخفاض الدعم الأدبي واللغوي في المكتبات ودور المطالعة. التعاون الإعلامي والتربوي بين الأقطار العربية والغربية يسير لصالح التأثيرات السلبية لظاهرة العولمة على الهوية واللغة العربية. إصرار الجيل الجديد من الأبناء والبنات على التحدث بلغة العصر، واستبدال الكلمات العربية بكلمات ومصطلحات أجنبية باعتبارها لغة أولى وتليها اللغة العربية. مزاحمة اللهجة العامية للغة الفصحى العربية في المؤسسات العلمية والثقافية والتربوية. إهمال الجامعات الأجنبية اللغة العربية، بل قيام بعض الجامعات المحلية بالتدريس باللغة الأجنبية. استخدام اللغة الأجنبية في المراسلات داخل الدولة العربية. إن لغتنا العربية كانت وعاء أساس لنقل المنتج الثقافي العربي الإسلامي إلى كثير من الدول لعدة قرون، لذا لابد من العناية بها كتابة وتحدثاً، وأن يتم تجاوز فجوات اللغة العربية مع ضرورة رفع إمكاناتها التنافسية الإلكترونية، وإدماجها أكثر في أجندة المعرفية على الشبكة العنكبوتية. والعمل على تقوية البنية التحتية المعلوماتية والاتصالاتية، بما يتلاءم مع الخصوصيات اللغوية والحضارية العربية، وتوفير النقص الحاصل في إنتاج المحتوى الإلكتروني العربي، وهذا الأمر يتطلب تأسيس قاعدة رقمية عربية. وهذا الأمر لا يتوافق إلا مع تطوير التعليم وتحسين مراجعه وتطوير مناهجه، وإلى تنظيم علاقات اللغة العربية مع اللغة الأخرى. إن اعتزازنا بلغتنا القومية لكبير، ودورنا يكون بالدفاع عنها وتطوير أداءها، فالقانون الفرنسي في مادته الثالثة يلزم (أي موظف أو كاتب أو مسؤول من تاريخ 11 يوليو 1794م بالتوقيع باللغة الفرنسية على كل وثيقة والمخالف لذلك يطرد من الخدمة ويسجن ستة أشهر) وكذلك (إلزام القوانين الفرنسية جميع وسائل الإعلام الفرنسية على اعتماد اللغة الفرنسية دون اللغات الأخرى إلا في حدود معينة). من هذا المنطلق فإن اللغة العربية ليست هي فقط أساس الثقافة العربية بل تعتبر إحدى قضايا الأمن القومي العربي، ومن أجل ذلك فجميع العرب من مواطنين ومسؤولين مدعوون لوضع مشروع للنهوض بلغة الضاد ودراسة الواقع اللساني العربي ومدى تفاعله مع مختلف اللغات الأخرى. لذا، فنحن ندعو إلى سن القوانين لإلزام استخدام اللغة العربية الفصحى في التعليم في المدارس للمواد الناطقة باللغة العربية، وأن يتم تدريب المعلمين للنطق باللغة العربية الفصحى أثناء التعليم، وإلى تعميمها على وسائل الإعلام باعتبارها البيئة اللغوية للمجتمعات كافة، وإلى إدخال التكنولوجيا في تعليم اللغة العربية، ورفع الوعي التربوي والثقافي بأهمية اللغة العربية