قال رجل: كنت أنا أحد من كان في عسكر عمر بن سعد (عليه اللعنة) حين قتل الحسين (عليه السلام)، وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة، فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى، وكان الرأس معنا مركوزاً على رمح ومعه الأحراس، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل فإذا بكفّ في حائط الدير تكتب:
أترجو أمّة قتلت حسيناً***شفاعة جده يوم الحساب
قال: فجزعنا من ذلك جزعاً شديداً، وأهوى بعضنا إلى الكفّ ليأخذها فغابت.
ثم عاد أصحابي إلى الطعام، فإذا بالكف قد عادت تكتب:
فلا والله ليس لهم شفيع***وهم يوم القيامة في العذاب
فقام أصحابنا إليها أيضاً فغابت.
ثم عادوا إلى الطعام فعادت تكتب:
وقد قتلوا الحسين بحكم جور***وخالف حكمهم حكم الكتاب
فامتنعت عن الطعام وما هنأني أكله..
ثم أشرف علينا راهب من الدير فرأى نوراً ساطعاً من فوق الرأس، فبذل لعمر بن سعد ألف درهم، فأخذها ووزنها ونقدها.
ثم أخذ الراهب الرأس وبيته عنده، ليلته تلك، وأسلم على يده وترك الدير، ووطن في بعض الجبال يعبد الله تعالى على دين محمد (صلى الله عليه وآله).
فلما وصل عمر بن سعد إلى قرب الشام طلب الدراهم.
فأحضرت إليه وهي بختمه، فإذا الدراهم قد تحولت خزفاً وعلى أحد جانبيها مكتوب:
(ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون) ، وعلى الجانب الآخر: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، خسرت الدنيا والآخرة.
فكتم هذا الحال وأمرهم أن يكتموه.
بقلم النويدري