مجد الحسين (ع)
ذبحونا بقتل الحسين... فرددنا عليهم بتخليد الحسين، مجد الحسين (ع) يكمن في خلوده، فكما خٌلدت هاجر في مسعاها، خُلد الحسين في استشهاده، ذكرى الحسين تتجدد وكأنها ولدت للتو، كلما مرت عليها السنون تبزغ من جديد بروح واعية وبنفَس قوي لا ينقطع، إنه الحسين ابن علي ذاكرة حية في ضمير الإنسانية لن تنطفئ أبداً، فلمَ لمْ تزَلْ حية ولم تمت؟
خُلد الحسين(ع) لأنه يحمل حركة إصلاحية قامت على أساس هدف محدد ولم تكن حركة عفوية قامت في سياق الحدث، إنما هي محطة من المحطات الإلهية الكونية، فالإصلاح مهمة بشرية يقودها أناس خاصون لهم من القدرات والشجاعة والتضحية ما يفوق الآخرين، لقد ورد لفظ الإصلاح في القرآن الكريم كما يذكر في أكثر من مئة وثمانين موضعاً، والمتبع لدعوة النبي شعيب (ع) كما يشير إليها القرآن الكريم يراها أنها كانت دعوة إصلاحية تركز على الإصلاح الداخلي بإيفاء المكيال والميزان وعدم الإفساد في البلد، «فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين» (الأعراف: 85) لذا كان شعيب يركز في هدفه على الإصلاح وفقاً لما تشير إليه الآية الكريمة «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت» (هود: 88).
فالإصلاح حركة بشرية لم تعرف التوقف، فمازال الصينيون يتذكرون زعيمهم الروحي ماو تسي تونغ فخراً، إذ كان كثيراً ما يقول «سوف نخلق حضارة تهتز لها الأمم من حولنا» وهو الذي قاد الصينيين للتخلص من أغلال قوى الاستعمار وأمراء الحرب ومن استشراء الفساد الإداري ومن ظلام الأفيون الذي أغرق الصين في متاهات التخلف والفقر، إذ كان يهتف بالفلاحين المدقعين: «بعد زمن قليل سوف نرى مئات الآلاف من الفلاحين يقاومون، مندفعين، لا يقهرون مثل الإعصار، ولن تستطيع أية قوة إيقافهم. وسيكسرون كل أغلالهم ويرتمون في طريق التحرر»، وبالفعل ففي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1949 أعاد ماو تسي تونغ استقلال الصين مؤسساً بذلك لأول مرة جمهورية الصين الشعبية، ولم تكن الأمة الهندية أقل منها شأناً، إذ في غضون سنوات قليلة من العمل الوطني المثمر أصبح المهاتما غاندي الزعيم الأكثر شعبية إذ ارتكز نضاله ضد الظلم الاجتماعي وضد الاستعمار البريطاني والذي كان كثيراً ما يخاطبه: «اتركوا الهند وأنتم أسياد»، غاندي لم يتوقف نشاطه اللا عنفي حتى حقق استقلال بلاده في 16 أغسطس/ آب العام 1947.
فكل أمة لديها مصلح ثائر ونحن لدينا الإمام الحسين (ع) الذي كان يبتغي من ثورته الإصلاح «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي»، هذا كان مسعاه وهذا مراده، فقد بلغ عدد الكتب التي وصلته من الكوفة وهو لايزال (ع) في مكة اثني عشر ألف كتاب تدعوه فيها إلى القدوم وفقاً لما ينقله الشيخ المفيد. فكان يريد بدمه الشريف إيقاظ ضمير الأمة ومنع المسلمين من الخضوع لسلطة ترتكب الحرام وتسير على الفساد والظلم باسم الإسلام والخضوع للقدر والقضاء، لذا رأى الإمام أن يغير «ألا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحق من غيّر».
لكن من يقوم بالتغيير لابد وأن يعيش الحق في كل تفاصيل وجوده ومن أولى بذلك من الإمام الحسين (ع)، فخُلد الحسين (ع) لأنه الحق، لذا جاء سؤال ابنه علي الأكبر «يا أبت، أفَلَسنا على الحق» وهو السؤال الذي خرج عن أصله لأنه لا يحمل استفساراً بقدر ما يحمل تقريراً وتأكيداً للفكرة، فجاءت إجابة أبيه الشهيد لتؤكد ما يشير إليه «بلى، والذي بيده نفوس العباد» فرد الابن «إذاً، لا نبالي بالموت وقعنا عليه أم وقع علينا» لأن أصحاب الحق لا يخافون ولا يهابون أبدا.
خلود الحسين (ع) يكمن في أنه سار في حركته الإصلاحية وثورته وهو لا يمتلك غاية خاصة ولا لديه ثأر شخصي اتجاه يزيد، ولم يكن لديه أي طمع بسلطة أو جاه أو نفوذ ولا يتمنى مُلكاً، كيف لا؟ وهو ابن علي (ع) الذي يقول لابن عباس وهو يشير إلى نعل يخصفها: «إن أمرتكم هذه لا تساوي عندي قيمة هذا النعل إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً».
فقد ضحّى الحسين (ع) بنفسه وولده ولم يبخل بشيء اتجاه قضيته الخالدة، قدم أعز ما يملكه إذ يُشار إلى أنه عليه السلام أول من قدم إلى المعركة ابنه علي الأكبر وهو أشبه الناس خَلقاً وخُلقا برسول الله (ص) لذا آلمه فقده وانهمَلَتْ عيناه بالدموع وهو يقول «عَلى الدُّنيا بَعدَك العفا» ومعها لا يكون لأيِّ حديث معنى.
رملة عبد الحميد
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3028 - الثلثاء 21 ديسمبر 2010م الموافق 15 محرم 1432هـ