في ذكرى الاستشهاد، حديث علي
لا عذب الله فؤاداً أنت فيه يا علي، ولا شقى الله من استضاء بنورك يا علي، أي حديث يقال عن تلك الشخصية الدينية التاريخية الإنسانية الفذة، وأي مقال يسع النزر اليسير من ذلك العملاق الإنساني المعطاء بروحه وإيمانه وعقله وشجاعته، وأي كلمات تحوي تلك الموسوعة بل أي فكر يمكن أن يرتقى إليك يا علي؟
أحار فيك، وأبكي لفقدك حرقة وألماً، هذه الأيام يدار فيها حديث علي، فلحديثه العذب فكر ومعنى، حديث علي يثريك، حديث علي يسمو بك، حديث علي تجد كل الناس فيه، وكل التجارب تحويه، بل حديث علي كل الحياة فيه، في مكتبتي الصغيرة كتاب يحمل عنوان «10.000 حكمة للإمام علي» في هذا الكتاب قرأت للإمام علي عليه السلام ما تعلمت منه الكثير، إذ خطت يداي سطوراً وكلمات حول بعض العبارات التي وقفت عندها طويلاً، ربما هي التي فهمتها واستوعبتها جيداً، أو كانت ماثلة أمامي كواقع رأيته وعايشته، لكنها لامست عقلي وحركت مشاعري، أنقلها لكم كما فهمتها وجال خاطري نحوها، قرأت له «الغيبة جهد العاجز» تلك العبارة أتذكرها دائماً كل ما لقيت شخصاً لا يعرف من الحياة سوى الحديث وتتبع أحوال الناس، جل جهده تصدر المجالس وإطلاق الأحكام، هو عاجز لأنه لم يحقق شيئاً مختلفاً ولايسعى للرقي في حياته، فالحياة ببساطة هي التوافق مع الآخر إذا أرادنا لأنفسنا الخير على حد قول الإمام «الناس بخير ما توافقوا» فـ «العيش يمر» و»الأمور بالتجربة» و»خير الناس من نفع الناس».
علي يرى أن أبواب البر تكمن في ثلاثة: «سخاء النفس، وطيب الكلام، والصبر على الأذى»، لكن الصبر عند علي (ع) لا يتحقق «إلا بمقاساة ضد المألوف» لذا فإن الجزع لا يخفف من الأمر شيئاً لأن الإمام علي (ع) يرى «الجزع أتعب من الصبر»، فالصبر باب من أبواب الحكمة وهي الشجرة التي وصفها الإمام علي (ع) بأنها «تنبت في القلب، وتثمر في اللسان» لذا فإن «جميل المقصد، يدل على طهارة المولد» والقول لا ينفصل عن العمل فالإنصاف والعدالة هما خيارنا ولو على حساب نصرتنا فالإمام يقول: «اختر أن تكون مغلوباً وأنت منصف ولا تختر أن تكون غالباً وأنت ظالم».
عرف الإمام علي بالعبادة، فالسجود ديدنه والروحانية والانقطاع إلى الله عادته، عبادة علي لم تكن على غرار مسار التجار، ولم تكن أيضاً خوفاً من النار، إنما هي محبة لله فكان من الزهاد التقاة لذا كان كثيراً ما يقول: «ربي هبني كمال الانقطاع إليك» علي يرى أن الصلة مع الله قائمة، في هذه الحياة وفيها فرصتنا وهو القائل: «إضاعة الفرصة غصة» و «اغتنموا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب» وكيف لا وباب التوبة ما زال مفتوحاً، لكن هذا الخطاب مع الله سينقطع يوماً، ويصبح «لأبكين عليك بكاء الفاقدين» وأي فقد يصوره لنا إمامنا علي: «لأصرخن عليك صراخ المستصرخين»، إذ لا تزال العلاقة قائمة لكن فيما بعد يتحول الأمر إلى فقدان في يوم الحساب وخاصة إذ كنا من المغضوب عليهم، وهذا ما يبكي علي الذي ترك دنياه وما فيها ولم يأبه بها اذ يقول «يا دنيا غري غيري» «فقد اكتفى» من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه ولكننا لا نقدر على ذلك، لذا قدر لنا إمامنا علي مدى استطاعتنا فقال «ألا: وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد» لأنه يرى أن «أصل الرضا حسن الثقة بالله» فهل نعي حديث علي؟
رملة عبد الحميد
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2917 - الأربعاء 01 سبتمبر 2010م الموافق 22 رمضان 1431هـ