لا غالب ولا مغلوب
من حقنا أن نشترك جميعاً في القرار، نتقاسم رغيف الخبز، ومن المجحف أن نعيش في منطق الغالب والمغلوب، القوي والضعيف، الشريف والدني.
كل له قدراته وإمكانياته، ومعها لا يمكن بأي حال تصنيف الناس على أساس تاريخي مجحف قائم على الهوى وروح الغلبة.
الغالب والمغلوب ثقافة بشرية، حاول البعض تأطيرها من جانب فلكي، فقيل «وأعلم انك لو حسبت اسم كل غالب ومغلوب من أولاد آدم وبنات حواء من أول الدنيا إلى يوم القيامة لوجدت الغالب غالباً والمغلوب مغلوب»، فعلى اعتبارات حسابية خاصة لأبجد هوز، يحسب اسم الشخصين المتقابلين، ثم يطرح من كل منهما تسعة، ثم ينظر بين العددين الباقيين من حساب الاسمين، فإن كان العددان مختلفين في الكمية وكانا زوجين، أو فردين معاً فصاحب الأقل هو الغالب، وان كان احدهما زوجاً والآخر فرداً فصاحب الأكثر هو الغالب، هي حسبة طبقت على بعض الأسماء الدينية والتاريخية مثل النبي موسى (ع) وفرعون فنجحت وبالتالي عممت، لا نجزم بمدى صحة ذلك من عدمه، لكن تحري هذا الأمر جاء من باب تسابق لمعرفة من هو الغالب والمغلوب سلفاً، وهل ذلك مقرون بخلق الإنسان وما يجري عليه؟
وهل هذا يدخل في جدلية التخير أو التسيير؟ لكنها في الأخير كلها أمور بيد الخالق عز وجل لا ينبغي للمرء البحث فيها أو الانشغال بها.
الغلبة لمن؟
سؤال لطالما عرض على الساحة السياسية هل الغلبة لمن غلب على اعتبار أن القوة حق، أم لقوة الحق على أساس أنه حق؟
برهن العالم الدولي أنه لا يزال أسيراً لعقلية الغالب والمغلوب، والمتمثلة فيمن يمتلك القوة فيمتهن فن السياسة التآمرية والساعية إلى الإيقاع بالطرف الآخر والتغلب عليه، ومن ثم فرض سياسة الأمر الواقع عليه، بهدف السيطرة على مناطق النفوذ والمصالح من خلال الإيقاع بالعدو المتربص وذلك باستغلال مكامن الضعف أما بتقليم أظافره أو توجيه الضربات القاتلة، هذه النظرة كانت سائدة منذ زمن البندقية واستمرت حتى زمن التكنولوجيا والعولمة، فالنفس البشرية الحاكمة لم تزل تفكر لكي تبقى سيدة بالمنطق ذاته، لم يتغير في الأمر سوى الوسيلة والتي اختلفت بحكم الزمن وتطوره، ومع هذا التداول أصبحت دول سائدة وشعوب لا ترقى بالإنسانية في نظر الآخر لأنها مغلوبة.
حياتنا أيضا ارتبطت بهذا المبدأ، فأصبحت الحياة الزوجية تقوم على مبدأ الغالب والمغلوب وخاصة بالنسبة للمرأة، إذ تنتهي جميع الخيارات المتاحة لها لتأكيد كيانها المستقل وفاعليتها، فالزواج هو عقد الشراكة واتفاق بين اثنين على التكامل، وليس هي علاقة إقصاء، ومن ينفرد ويستحوذ على ما يرضي أنانيته وغروره ويقود الحياة الزوجية باتجاه سيادته المطلقة، وبالتالي أصبحت بعض العلاقات قائمة على أساس من ينتصر، ومن يكتوي بنار الألم؟
كلنا في هذه الحياة نتعرض لأن نكون في جانب ضعف حيناً وفي جانب قوة تارة أخرى، ولكن هل كلنا نمر في العذاب على حد سواء؟
في مقال لمصطفى محمود تحت عنوان العذاب ليس له طبقة يقول: «الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب. وساكن الزمالك الذي يجد الماء والنور والسخان والتكييف والتلفون والتلفزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط. والمليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به، يشكو الكآبة والخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق».
وينهي حديثة بنتيجة «كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعد الفوارق».
هو رأي، وإذ كنا كذلك بالفعل لم نصر على أن نكون غالبين، فالحياة السوية لا توزن بالغالب والمغلوب بل ينبغي أن تسود فيها العدالة والمحبة والاحترام بين الجميع.
رملة عبد الحميد
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2899 - السبت 14 أغسطس 2010م الموافق 04 رمضان 1431هـ