سيبقى فضل الله الروح والفكر
«أريد أن أصلي»... كانت آخر كلماته، وكانت أمنيته الوحيدة والتي عاش وعمل طيلة السنين من أجلها عملاً دؤوباً متواصلاً هي «أن أكونَ خادماً لله ولرسوله (ص) ولأهل بيته (ع) وللإسلام والمسلمين».
لقد خسرت الأمة الإسلامية رجلاً يصعب تعويضه، ومفكراً وعالماً وحركياً قلّ من شابهه. إنه العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، الذي أعلن رحيله يوم الأحد الماضي بعد صراع طويل مع المرض.
كان السيد محمد حسين فضل الله عالماً فقيهاً وأديباً وشاعراً، أثرى المكتبة العربية والإسلامية بكثير من الكتب في الكثير من مجالات الفكر والمعرفة والعقيدة. ففي الجانب الفقهي، ألف ما يجاوز التسعة كتب منها: «فقه الشريعة (الرسالة العملية)، أحكام الشريعة، فقه الحياة، المسائل الفقهية، الفقه الميسّر». أما مؤلفاته من الكتب الإسلامية فتفوق خمسة عشر كتاباً، منها: «نظرة إسلاميّة حول الولاية التّكوينيّة، مع الحكمة في خط الإسلام، مفاهيم إسلامية عامة، قضايانا على ضوء الإسلام». وفي مجال القرآنيات: «سلسلة تفسير من وحي القرآن، التي تقع في ثلاثين جزءاً، أسلوب الدعوة في القرآن، الحوار في القرآن، من عرفان القرآن». وفي السير: «في رحاب أهل البيت (ع)، الزهراء القدوة، حديث عاشوراء»... وغيرها من الكتب والمحاضرات والندوات التي قام السيد محمد حسين فضل الله بإلقائها في مختلف عواصم العالم.
لم يكتفِ السيد بذلك بل نراه قد تصدى إلى الشأن الاجتماعي بقوة، بإنشاء جمعية المبرات الخيرية في لبنان، والتي انبثقت عنها الكثير من المدارس والمستشفيات والمعاهد الخيرية. فعلى سبيل المثال أسس تسع مدارس منها: «ثانوية الكوثر، مدرسة الأبرار، مدرسة الإشراق»، وثلاث معاهد وهي: «معهد علي الأكبر المهني والتقني، ومعهد دار الصادق للتربية والتعليم، ومعهد الرأفة للتمريض». إضافة إلى المؤسسات الرعائية التي عرفت بالمبرات، منها مبرة السيدة مريم. كما أسس المراكز الصحية منها مستشفى بهمن الذي توفي فيه، ومركز العباس الصحي الثقافي، كما أعطى اهتماماً مميزاً بذوي الاحتياجات الخاصة، إذ أسس مراكز خاصة بهم مثل: سراج للتشخيص التربوي، ومركز الإمام الهادي.
شكَّل فضل الله مدرسةً في الحوار مع الآخر على قاعدة (أنّ الحقيقةَ بنت الحوار)، وكان له الكثير من الإثارات في الفكر الإسلامي، إذ كان ينتقد مفهوم «الإصلاح الدينيّ» بقوله «قد توحي بمفهومٍ غير دقيق؛ ذلك لأنّ الدين لا يَختزن الفسادَ في ذاته لكونه شريعةَ الله (باعتقاد المسلمين) لذا أتصوّر أنّ القضيّة هي إصلاحُ الفكر الدينيّ لا الإصلاح الدينيّ؛ إنها قضيّةُ إصلاح الاجتهاد الدينيّ». أما نظرته إلى النص الديني فإنه يدعو إلى الانفتاح المستنير لا الضيق، إذ إنه يولد وفق ما يشير «إنه من الطبيعيّ جدّاً أنّ الذهنيّةَ التي تؤصّل النصّ، عندما تكون محدودةً متخلّفة، فإنّها تَمْنحنا نصّاً متخلّفًا محدودًا لا علاقة له بالتأصيل الدينيّ الحقيقيّ وهذا جَعَلَ التفكيرَ الدينيّ تفكيرًا مثيرًا للتساؤلات وللجدل، بل مؤكِّدًا للتخلّف في بعض الحالات، بسبب الفهم الضيّق الذي ينطلق منه بعضُ الناس الذين يعيشون في زنزاناتهم الثقافيّة التي وَرِثوها من مصادرَ جاهلةٍ أو لا تمْلك الوعيَ الأدبيّ». أما التاريخ فإنه يراه بقوله: «إننا حين نَدْرس القضايا التاريخيّة للأنبياء ولأممهم لا نريد أن نستغرقَ في التاريخ، بل نريد أن ننقل التجربة التي عاشها الأنبياءُ، ونأخذ خصوصيّاتِها التي لا تموت بموت الزمن، وإنّما تمتدّ إلى الحياة، لأنّها خصوصيّاتُ الإنسانيّة».
لقد كان مشروع الوحدة الإسلامية هم السيد فضل الله، و مسعاه في كل ضائقة تمر بها الأمة الإسلامية، وقد شكلت فلسطين الهم الأكبر في حياته منذ ريعان شبابه وحتى الرمق الأخير من حياته إذ كان يقول «لن أرتاح إلا عندما يسقط الكيان الصهيوني». فنم قرير العين... فسترى من تركتهم من تلاميذك في بيروت ممن حملوا لواء المقاومة سيسقطون هذا الكيان مستقبلاً. لقد رحل عنا فضل الله بجسده لكنه سيبقى الروح والفكر والعمل مهما تقدم العمر.
رملة عبد الحميد
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2860 - الثلثاء 06 يوليو 2010م الموافق 23 رجب 1431هـ