مشاركة المواطن في حل المشكلات تدعم نجاح القرارات
د. سعيد بن على العضاضي
ناقشت في سلسلة مقالات سابقة أساليبنا في حل المشكلات ولجوء بعض مؤسساتنا إلى الحلول المعلبة والقرارات المستعجلة, التي أهدافها المعلنة تخالف غاياتها الباطنة. ودعمت وجهة نظري بمثالين من واقعنا ما زلنا نعيش آلامهما, الأول اختبار ''القدرات'' والآخر نظام ''ساهر'', فرغم الحملة الإعلامية ومحاولة إقناع الناس بجدواهما وأنهما العصا السحرية التي ستتغلب على إخفاقات الهيئات المعنية نرى سوأتهما تظهران للعيان وأنا على يقين أنهما سيرفعان الراية البيضاء قريبا.
اختبار ''القدرات'' أثقل كواهل أولياء الأمور وأرهق الطلاب, فقد تعددت أنواعه وتشعبت أصنافه، فبدل أن كان اختبارا واحدا تشعب إلى عدة اختبارات وأنواع من التقييمات بعضها يقيس القدرات، وآخر يقيس التحصيل، وثالث يقيس الذكاء، ورابع يقيس الاضطرابات النفسية، وخامس وسادس في سلسلة من التعقيدات لا ندري ما الهدف منها وما النتيجة المؤملة من ورائها.
أما ''ساهر'' فما هو عن ''القدرات'' ببعيد, فلم نره يعالج لب المشكلة، ولم نلحظه يمس جذور المعضلة، ولم يأخذ على أيدي الأطفال الذين يمتطون السيارات الفارهة بسرعة مذهلة، ولم يحد من انحراف المتهورين، كما لم يقدم مادة تثقيفية عن كيفية قيادة المركبات، ولم يتطرق قط لفن وأخلاقيات قيادة السيارات, وكل ما يفعله ''ساهر'' لا يتعدى تجنيد كاميراته لاقتناص لوحات السيارات, وكأن هذه هي الطريقة الوحيدة في العالم للسيطرة على حوادث السير.
وفي هذا المقال أريد أن أختم ما بدأته من قبل ببعض المقترحات التي أرى أنها قد تفيد في تحاشي أنصاف الحلول وقد تنفع في تهذيب أعمال مؤسساتنا حتى تكون قراراتنا أدنى إلى الكمال وأقرب إلى الصواب, ومن هذه المقترحات ما يلي:
1. في البداية وقبل كل شيء يجب أن نكسب المواطن في كل خطوة نخطوها، فهو الأقدر على سبر أغوار المشكلات، ومعرفته مسبباتها، وطريقة تكوينها، وبدائل حلولها. فإذا لم يتعاون المواطن مع الوزارات والهيئات فكل قرار أو إجراء سيكون نهايته الفشل لأنه لم يأخذ الجانب المظلم الذي لا يراه إلا المواطن فلا عجب أن رأيناه يراوغ ويحتال ويحاول إفشال أي قرار مهما كان صائبا. وكي نكسب المواطن لدعم القرارات يجب أن نحترم عقله ونتعرف على طريقته تفكيره وندرك أنه يميز بين القرارات التي تصب في مصلحته وتلك التي تهدف إلى استغلاله مهما حاول القائمون عليها تغطيتها وإلباسها لباس المصلحة العامة. المواطن لم يعد أسير القنوات الرسمية فهو يطلع على مصادر معلوماتية قد لا تتاح للمسؤول, فبضغطة زر واحدة يصبح العالم بين يديه وتحت أمره، ويجب أن ندرك أن الوقت الذي أصبح فيه المواطن مغيبا عن الأحداث واتخاذ القرارات قد ولى وأدبر, فقد وصل الوضع في كثير من الدول والمنظمات أن أضحى المواطن أكثر وعياً من المسؤول.
2. أن أهم طريقة للوصول إلى قرار رشيد هو تحديد المشكلة بكل وضوح, وهذا لن يتسنى دون معرفة الحقائق. فالحقيقة تجرد المشكلة من لباسها, وهناك مقولة مفادها أن المشكلة الواضحة هي مشكلة نصف محلولة. يقول كار نجي ''لا أنا ولا أنت ولا النابغة إينشتاين ولا المحكمة العليا للولايات المتحدة من الذكاء والألمعية تمكنها من الوصول إلى قرار حصيف دون الحصول على الحقائق المجردة''. فالحقائق تُظهر الواقع بموضوعية وتقيس الحدث بعقلانية وعندما تُجمع الحقائق عن مشكلة بعينها ويُبذل المجهود الكافي لمعرفة مسبباتها فإن الحلول المنطقية ستظهر تباعاًً.
3. يجب الابتعاد عن الحلول التي تحمل الطابع التجاري والاستثماري حتى لا يظن المواطن أن أهدافها استغلاله والسطو على مدخراته. بعض منظماتنا تبتكر حلولا لمشكلات اجتماعية، وتعليمية، واقتصادية ظاهرها التغلب على مشكلة قائمة وباطنها استثمار صِرف, وعمل كهذا لن ينطلي على أحد، فالناس أصبحت تعرف بكل وضوح حيثيات القرارات وأهدافها قبل صدورها, ومثل هذه القرارات التي تحمل الطابع التجاري والاستثماري لن يكتب لها النجاح ولن تدوم طويلا وستواجه بالعراقيل والحيل والتعطيل والتثبيط, والأمثلة بين يدينا كثيرة.
4. إنني أتساءل لماذا تُترك المشكلة سنين عددا ثم يُرتجل لها حلول سريعة حتى أصبحت القرارات المرتجلة سجية غالبية منظماتنا. يجب أن نعترف بالمشكلة حال ظهورها ثم نتخذ الخطوات العلمية لحلها - وهي عبارة عن ست خطوات يمكن الرجوع إليها في مراجع اتخاذ القرارات ـــ وعمل كهذا قد يستغرق وقتا طويلا نسبيا. فالقرارات الرشيدة تحتاج إلى وقت طويل حتى تنضج, لذا يجب التريث قليلا عند الرغبة في حل المشكلات, فالقرارات المستعجلة والعشوائية تقود عادة إلى نتائج وخيمة. وتطورت الدول في هذا المجال فأصبحت تتنبأ عن المشكلات قبل حدوثها وتتخذ لها القرارات المناسبة حال ظهورها. وأنا هنا لا أتكلم عن الأزمات والكوارث, فهذه لها طابعها وآلياتها وإداراتها الخاصة بها, وليس هذا مجال الخوض فيها لكنني أتحدث عن خطوات اتخاذ القرارات للمشكلات التقليدية.
هذه بعض المقترحات التي أرت أن أختم بها سلسلة مقالاتي السابقة, التي قد تساعدنا على التخلي عن أنصاف الحلول والابتعاد عن الحلول المعلبة والقرارات المستعجلة التي أضرت بالبلاد والعباد.
_________________
نحن انصار حر كة جعفر الخابوري الثقافيه