تعليم الثائرين
يتفق العديد من المراقبين للانتفاضات الحالية التي تعم العالم العربي على شيء واحد هي انها لم تكن متوقعة بدرجة كبيرة. ولئن كانت تيارات السخط ضد الحكام الحاليين موجودة دائما الا ان قليلين هم الذين توقعوا ان تكون مثل هذه الانتفاضات وشيكة او تكهنوا بنطاق التظاهرات. على ان ثمة عوامل عديدة مرئية ذات علاقة بالتعليم والديمغرافيا ونقص الفرص الاقتصادية كانت تشير حينا من الدهر إلى درجة متزايدة من انعدام الاستقرار السياسي في المنطقة.
وإذا كان أغلب الكلام عن الانتفاضة في مصر يدور حول ثورة شبابية إلا ان هذا الكلام يقلل فيما يبدو من الاثر الخطير الذي لعبه المستوى المتزايد للتعليم بين الشباب المصري في التحريض على النقد الشديد للأنظمة المتخندقة.
ليس لدينا شك في أن المشاركين في التظاهرات الكبيرة يمثلون قطاعا عريضا من المجتمع المصري، ولكن المرء لا بد له ان يلحظ ان المهندسين والاطباء وطلاب الجامعة بل ومديرين تنفيذيين برزوا في حركة المعارضة.
وهذا يتعاشق مع احدى اكثر الحقائق توثيقا في العلوم السياسية، ألا وهو أن الشعوب المتعلمة أكثر ميلا للمشاركة في كافة اشكال الانشطة السياسية، التي تتراوح من الفعل الأساسي للتصويت إلى القيام بتظاهرات. والاسباب الدقيقة لذلك ليست مفهومة دائما، لكن ربما كان المتعلمون هم بمثابة مراقبين اكثر نقدا للتطورات السياسية واقل رغبة في قبول اخطاء حاكم مستبد لا يسأل عما يفعل.
ولقد اكدت ابحاثنا على مدى تأثر الصلة بين التعليم والمشاركة السياسية بتوافر الفرص في سوق العمل للمتعلمين. ببساطة فإن المهارات المكتسبة خلال التعليم تؤدي إلى رغبة متزايدة في الانخراط في العمل السياسي، وكذلك فاعلية هذا الانخراط (ولكم ان تتخيلوا كيف ان محترفي التقنية استغلوا الفيسبوك وتويتر لقضيتهم).
بالمقابل اذا حصل المتعلمون على مكافآت ورواتب مجزية في مساراتهم المهنية فإنهم يكونون بشكل طبيعي اقل ميلا لاستغلال وقتهم وطاقاتهم لأغراض سياسية. والدول التي ترفل في فرص اقتصادية للأيدي العاملة الماهرة تميل إلى عرض انخراط سياسي اقل من جانب المتعلمين.
لم يحدث ان كان العالم العربي نموذجا للحراك الاقتصادي، ولا اقتصادات المنطقة مستعدة لأنشطة عمالية تستفيد فعليا من رأس المال البشري المكتسب عن طريق التعليم.
الامر غير المعروف بشكل كاف هو حقيقة ان العديد من هذه الدول العربية هي من بين اكثر الدول استثمارا في التعليم. فالبيانات الاخيرة التي تم تجميعها عن 104 دول توضح انه بين عامي 1980 و1999 كانت مصر خامس أسرع الدول نموا في العالم من حيث متوسط سنوات الدراسة، بل ضاعفتها من 2.3 سنة الى 5.5 سنة. ولم تبعد تونس عن مصر كثيرا مع زيادة من 2.5 إلى 5 سنوات دراسة في المتوسط بالنسبة للسكان.
من ثم هناك سيناريو يصبح فيه عدد كبير من الشباب العرب متعلمين اكثر من ابائهم واجدادهم. وفي غياب توقعات الوظائف الواعدة ترجح كفة تخصيص مهاراتهم التي اكتسبوها في انشطة سياسية تتراوح من انشاء مدونات سياسية إلى تنظيم تظاهرات في ميدان التحرير. وحيث لا يجد هؤلاء الشباب منافذ ديمقراطية فإنهم يستطيعون في النهاية تقويض الانظمة التي كانت حتى وقت قريب تبدو تملك السيطرة الكاملة.
ان الاستثمار في التعليم شيء طيب في حد ذاته. الا ان الطغاة العرب باستثمارهم في التعليم من دون توفير فرص اقتصادية كافية اسهموا بشكل كبير في هذا الوضع الذي ينزل بهم حاليا.
نستطيع ان نأمل بلا شك في ان يكون التحول الديمقراطي الحالي وسيلة لتوفير نمو ووظائف مطلوبة لتحقيق كامل الامكانات الاقتصادية لهذه الدول.
*استاذ مساعد السياسة العامة بكلية هارفارد كينيدي
**استاذ مساعد بجامعة سنغافورة للادارة
خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون - نيويورك تايمز - خاص بالوطن
فيليبي كامبانتي وديفين تشور*
_________________
نحن انصار حر كة جعفر الخابوري الثقافيه