المجاهد القسّامي الشهيد "عاصم مروان أبو راس"
غزة ـ خاص
"نال الشهادة التي كان يتمناها.. هؤلاء أعطوه ما كان يتمنى واستشهاد عاصم شرف عظيم لنا وعز وفخار وليس غريبا أن تكون هذه النهاية الطيبة التي كنا نتمناها"، كانت تلك كلمات د. مروان أبو راس والد الشهيد القسّامي عاصم أبو راس بعد أن سمع نبأ استشهاده نجله.
د. مروان أبو راس المحاضر في الجامعة الإسلامية والذي نجا من محاولة الاغتيال الأولى للإمام الشهيد أحمد ياسين والأستاذ إسماعيل هنية عندما تعرض منزله للقصف، اعتبر أن استشهاد ولده عاصم يأتي على طريق التحرير والوصول إلى الأقصى وللتخلص من قوى الشر والطغيان والعدوان، مشيرا إلى أن "شعبنا يواجه عدو مجرم"، وختم كلامه بالقول: "نحن لا يسعنا إلا أن نقول يا ربنا خذ من دمائنا حتى ترضى عنا".
حقا إن الواحد فينا ليجد نفسه صغيرا وهو يتحدث عن العظام أمثال عاصم مروان أبو راس، أنت يا ابن كتائب القسام، يا من ضحيت بروحك لنعيش بكرامة، ووهبت نفسك ومالك فداءً لله وللوطن، يا من كان دمك الطاهر سببا في حقن المزيد من دماء الوحدة الوطنية الفلسطينية.
"أبا مروان" كم تمنيت أن يقطع جسدك الطاهر وتتناثر أشلاءك في سبيل الله، وقد صدقت الله فصدقك الله، لأنك كنت ممن طلب الشهادة بصدق وسعى لها سعيها، فلم تغرنك زينة الحياة الدنيا وزخرفها عن العيش مجاهدا عابدا زاهدا فهنيئا لك الشهادة، هنيئا لك الشهادة يا من تربيت في أحضان أسرة فلسطينية إسلامية مؤمنة بقضاء الله وقدره، يا من تربيت على حب الشهادة والشهداء، كيف لا وكلمات والدك الدكتور أبا عاصم حين سمع خبر استشهادك لا تزال تطرق آذاننا تعلمنا بأن طريقنا هي طريق الدم والشهادة، حين قال: "اللهم خذ من دمنا حتى ترضى، اللهم خذ من دمنا حتى ترضى... -كررها خمسا أو يزيد-".
الميلاد والنشأة
ولد المجاهد عاصم مروان محمد أبو راس في الأردن بتاريخ 13/12/1984م، وعاش مع عائلته نحو أحد عشر عاما الأولى من حياته خارج فلسطين متنقلا بين الأردن والمغرب، حيث كان والده يكمل دراسته العليا، ويقول الدكتور مروان أبو راس والد الشهيد: "خلال تلك الفترة التي قضاها عاصم خارج فلسطين ورغم أنه كان صغير السن إلا انه أظهر حبا جما لفلسطين وحنينا للعودة إليها وكان كثيرا ما يرغب في أن يجالس ويتحدث مع والده عن فلسطين وكيف أن الصهاينة اغتصبوها من أهلها وقتلوا وشردوا أبنائها".
دراسته
تلقى مجاهدنا القسامي عاصم تعليمه الابتدائي في المغرب ومن ثم عاد مع عائلته إلى ارض الوطن ليكمل دراسة المرحلة الإعدادية في مدرسة اليرموك والثانوية في مدرسة فلسطين الثانوية، ويصف الدكتور مروان أبو راس تلك المرحلة بأنها كانت مرحلة بناء الشخصية الجهادية لدى ولده عاصم، وأضاف قائلاً: "كان أكثر شيء يشغل بال ولدي عاصم في تلك المرحلة هو القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني لفلسطين وكيف أن هذا الجيش الإرهابي المجرم يقتل الأطفال الأبرياء ويذبح الشيوخ والنساء وكيف أنه ارتكب المجزرة تلو الأخرى بحق أبناء الشعب الفلسطيني... لقد كان عاصم في مراحل دراسته شبلاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، كان اجتماعياً جريئاً يجالس الكبار ويحترمهم احتراماً كبيراً ويعطف على من هم أصغر منه، فقد أحبه كل من عرفه.
الكتلة الإسلامية
استطاع عاصم أن يبرز الكثير من إبداعاته خلال عمله في صفوف الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خلال السنوات الطويلة التي عمل فيها جنديا وقائداً في صفوف الكتلة الإسلامية، وكما تحدث معنا زملاءه الذين عايشوه في تلك المرحلة، فإن عاصم كان شعلة من النشاط والحركة والحيوية، فكثيرا ما أبدع في أداء المهام والواجبات التي أوكلت إليه فكان يقوم بنفسه بتحضير وتجهيز النشرات التثقيفية التي كانت توزع على طلبة المدارس الإعدادية والثانوية، ولديه الكثير من المحاولات في كتابة الشعر وكتابة المقالات والمواضيع القصيرة في معظم المناسبات الإسلامية والوطنية.
رغم الكثير من الأعباء والمهام التي كان عاصم مع إخوانه المجاهدين إلا أنه كان من أشد المحافظين على مبادئ ومنطلقات حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي هذا الإطار يحدثنا أحد أصدقاء الشهيد قائلا: "كنت متيقنا بأن المجاهد "أبا مروان" عنده من المهام الجهادية ما يشغله عن القيام بأي نشاط آخر إلا أنه كثيراً ما كان يشاركنا في حمل أعباء الدعوة الإسلامية وخصوصا في الأشهر الأخيرة من حياته، وكان مشاركاً فاعلاً في غالبية الفعاليات التي تنظمها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من مهرجانات ومسيرات وبشكل خاص كان يلاحظ مشاركته في جنازات تشييع الشهداء".
القصف الصهيوني لمنزلهم
لقد كانت المحاولة الصهيونية الغادرة لاغتيال الشيخ المجاهد أحمد ياسين في السادس من شهر أيلول (سبتمبر) عام 2003م، بقصف منزل والد الشهيد المجاهد عاصم مروان أبو راس بصاروخ من طائرة اف 16 صهيو ـ أمريكية، لقد كانت هذه المحاولة بمثابة الشرارة التي أشعلت في المجاهد القسامي عاصم شرارة الثأر والانتقام من بني صهيون، فقد أظهر المجاهد عاصم في تلك المحاولة الصهيونية التي تهدم فيها المنزل على رؤوس ساكنيه شجاعة فائقة حيث كان أول من انتفض رغم إصابته بجروح مختلفة إلا أنه تعالى على جراحه وأخرج والدته وإخوته من بين أنقاض المنزل وعمل على مساعدة إخوانه في إخراج الشيخ المجاهد أحمد ياسين والأستاذ إسماعيل هنية، ولم يهدأ للمجاهد عاصم بال ولم يتلق علاجاً إلا بعد أن اطمئن على أن الجميع بخير وبصحة جيدة.
الشهيد العريس
"قبل استشهاده بيوم واحد قال لي: ماذا ستفعلين عند سماعك خبر استشهادي؟ فرددت عليه فوراً سأزغرد لك طبعا". هذا أول شيء راود خاطر زوجة شهيدنا القسامي أبا مروان والذي لم يتم على زواجه سوى شهرين فقط ليكمل مشوار زواجه مع الحور العين التي اشتاق إليها منذ سنوات.
وخلال حديث صحفي أجريناه مع زوجة الشهيد عاصم قالت: "أجل لقد قلت له سأزغرد لك يوم استشهادك ولكنني لم أكن أتوقع أن تلك اللحظة ستأتي بهذه السرعة، وكأن حياتي معه مرت كنسمة ربيع خفيفة أنعشت روحي وحياتي ثم مضت، وخلدت ذكرياتها في وجداني، فلن أنسى تلك الأيام التي قضيناها وقت خطبتنا ونحن نمشي في الطرقات التي جاهد ورابط بها.. يحدثني عن تلك التجارب وكأنه يروي لي قصيدة شعرية من أجمل ما نسجه الشعراء.
فيما تعبر أم عاصم والدة الشهيد القسامي المجاهد عن فترة حياتها مع ابنها قائلة: "لقد تعلق قلبي بابني عاصم أكثر من إخوانه لما تميز به من شجاعة خارقة منذ صغره، وأذكر حين كنا في دولة المغرب وهو لم يبلغ سوى خمس سنوات له الكثير من المواقف الشجاعة والجريئة مع الأطفال في سنه حتى سموه آنذاك بطفل الحجارة، وكنت أشعر بأنه سابق عمره بكثير، ذلك أن والده الدكتور مروان دأب على صحبته وتنشأته تنشئة رجولية، فكنت بالفعل أعتبره رجل البيت في غياب والده.
وتتابع أم عاصم قائلة: رغم أن فلذة كبدي عاصم كان يحدثني عن أعماله الجهادية إلا انه كان يخفى عني الكثير منها حرصاً منه على مشاعري كأم فيذهب ليحدث بها أبيه، فقد كان رحمه الله ذو إحساس مرهف فلا ينام الليل حين يغضب منه أحد وخاصة والده؛ فكان عندما يغضب منه لا يأكل ولا يشرب حتى يرضى عنه وقد أدى ذلك إلى غيبوبته في إحدى المرات.
في صفوف كتائب القسام
كانت رجولته وشجاعته الفائقة من أهم العوامل التي أهلت "أبو مروان" للانضمام في صفوف كتائب القسام في 11/3/2002م، وفي هذا الإطار التقينا مع أبو مجاهد أحد أعضاء وحدة التصنيع القسامية التي ينتمي إليها عاصم والذي حدثنا بدوره عن الشهيد عاصم قائلا: "لقد كان عاصم شجاعا مقداما مؤمناً مخلصاً كتوماً وهي صفات اجتمعت فيه أهلته لأن يكون جنديا في صفوف كتائب القسام وعضوا بارزا في وحدة التصنيع القسامية.
وفي سياق متصل يحدثنا والد الشهيد عاصم بأن ابنه كان يعشق العمل الجهادي ومقاومة الاحتلال الصهيوني، فكان إذا تعارض أي عمل أو أي نشاط مع جهاده فانه يقدم الجهاد في سبيل الله على ذلك العمل، ويضيف والد الشهيد: "لقد كان عاصم ومنذ نعومة أظفاره يشارك أبناء شعبه في كافة فعاليات الانتفاضة الفلسطينية فكان يذهب مع زملائه إلى مواقع الاحتكاك مع العدو الصهيوني ويقوم بقذف قوات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة، وقد علمت كثيراً أنه كان يذهب بشكل مستمر إلي بيت الشيخ المجاهد أحمد ياسين طالبا العمل الجهادي وأن يساعده الشيخ الإمام رحمه الله في أن يكون جنديا في صفوف كتائب القسام، فكان الشيخ في ذلك الوقت يحثه على الصبر والتمسك بشرع الله ويحث مرافقيه على تعليم عاصم على السلاح وقد تلقى الكثير من تدريباته على حمل السلاح في ذلك المنزل الرباني منزل الإمام الشهيد أحمد ياسين.
زيارته للشهداء وعائلاتهم
عرف عن المجاهد القسّامي عاصم حبه الشديد لزيارة قبور الشهداء وبشكل خاص بعد منتصف الليل، حيث كان يتردد وبشكل مستمر على مقبرة الشيخ رضوان ومقبرة الشهداء يقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء ويدعو الله أن يجمعه معهم شهيدا على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
وكان الشهيد المجاهد عاصم يتردد بشكل كبير على بيوت أهالي الشهداء وبخاصة أم نضال فرحات يسلم عليها ويذكرها بأن تدعوا له بالشهادة، وقد كان أن زارها في آخر أيام حياته وقال لها: "يا خالتي أم نضال أنا طولت على هذه الحياة الدنيا فادعي لي بأن استشهد"، وكان من أبرز الشهداء الذين أحبهم عاصم وعمل معهم وكانت له معهم مواقف مميزة الشهيد القائد وائل نصار والشهيد القائد نضال فرحات والشهيد القائد مهدي مشتهي، ويذكر أحد إخوانه أنه كان برفقة الشهيد مهدي مشتهى قبل نحو نصف ساعة من استشهاده، وقال له عاصم "والله يا مهدي إني لأرى في وجهك نوراً وكأنك سوف ترحل عنا شهيدا فادعوا لي، فدعا له بأن يرزقه الله بالشهادة وكانت هذه الدعوة آخر عهد عاصم بأخيه وصديقه مهدي".
وقفات ومواقف جهادية
عرف عن شهيدنا المجاهد صبره وشغفه وحبه للرباط في سبيل الله وكان محبوبا جدا من أفراد مجموعته. وقد جهز نفسه مرتين لتنفيذ عملية استشهادية ثأرا لدماء "الياسين" و"الرنتيسي" وكافة الشهداء. وكان جنديا وفيا يتقدم الصفوف يواجه أعداء الله في كافة الاجتياحات التي تعرض لها قطاع غزة. وكان أحد الأعضاء البارزين في وحدة التصنيع وبخاصة تصنيع صورايخ القسام. وكان له دور كبير في عملية نقل وإطلاق الصواريخ نحو المغتصبات الصهيونية.
شارك في عملية تفجير جرافة صهيونية خلال الاجتياح الصهيوني لحي الزيتون في منتصف شهر مايو/أيار من العام 2004م.
كما قام بإطلاق صاروخ بتار باتجاه دبابة صهيونية خلال اجتياح شارع صلاح الدين 29 أبريل/نيسان 2003م.
رغم أن السيارة التي كان يستقلها عاصم برفقة إخوانه قد تدمرت بالكامل وأجسادهم قد تقطعت أشلاءً إلا أن مسدسه ومصحفه لم يصابا بالكثير من الأذى خلال تلك الغارة.
عرف عنه تعلقه الشديد بالمصحف والمسدس لدرجة أنه لم يكن يخرج من البيت إلا وهو معه، كذلك مسدسه الشخصي. وصيته لأحد أصدقائه قبل استشهاده بيوم واحد أن توزع الحلوى وتفتح أناشيد الأفراح في عرس شهادته.
جاء الشهيد القسامي أسامة حلس بعد استشهاده بيوم واحد لعاصم في المنام وسلم عليه وعطره بريح المسك، وكانت تلك الحادثة التي شهد بها والد عاصم بشيرا على أن عاصم سيلحق بأسامة شهيدا وكان له ذلك.
الشهادة.. الأمنية
شهد يوم الجمعة 16/7/2005 استشهاد مجموعة من المجاهدين في حي تل الإسلام جنوب غرب غزة، على يد غارة غادرة نفذتها عليهم طائرة استطلاع صهيونية، وقد أصيب في العملية عدد من المواطنين الذين شاءت أقدارهم أن يمروا بالمكان لحظة القصف. لترتقي إلى العلياء أرواح أربعة من المجاهدين الشهيد القسامي عاصم أبو راس والشهيد القسامي عادل هنية والشهيد القسامي صابر أبو عاصي والشهيد القسامي أمجد عرفات، أجسادهم ما عرفت يوماً طريق الراحة والدعة بل خاضت أهوال الحرب وصعدت أرواحهم إلى السماء مرفوعة الهامة، وأنارت بدمها القاني طريق الجهاد وأرض الرباط، وجمعت أوصال الأمة الممزقة بأشلاء أجسادها المبعثرة. وعلي طريق النور تمضي قوافل الشهداء وتطير عالياً لتحلق في سماء المعركة، وترسم بدمها معالم الطريق لمن سيلحقها من شهداء، فقوافل الشهداء لا تمضي سدا... إن الذي يمضي هو الطغيان.
رحم الله شهيدنا البطل وأدخله فسيح جناته وألحقنا به شهداء وجمعنا وإياه في جنات خلد مع الصديقين والنبيين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.