أعمدة
الحوار الوطني المطلوب
جمال السلمان
جمال السلمان
نؤمن عميقاً أن الحوار الوطني من أهم آليات تفعيل الحراك السياسي والتنموي اجتماعيا واقتصاديا في البلاد على أسس ديمقراطية واضحة، وبالاحتكام إلى الدستور، والاستناد إلى ثوابتنا الوطنية الراسخة وما تضمنه ميثاق العمل الوطني من مبادئ وأسس، لذلك دعونا دائما إلى تفعيل الحوار الوطني، وتعزيز آلياته فليس للوطن إلا أبناؤه وليس للحكم إلا بناء شراكات فاعلة مع قوى المجتمع لتعزيز الاستقرار ومواجهة التحديات الماثلة أمامنا، تحديثاً للأطر السياسية التي تحقق الديمقراطية المنشودة شعبياً وتؤهل المجتمع لتحصين نسيجه الاجتماعي، والوقوف صفا واحدا في مواجهة التحديات، فالحوار قمين بدعم ثقافة التسامح، وقبول الآخر، مؤمنين بأن عملية الإصلاح السياسي لن تتم إلا عبر نضال ديمقراطي لا يكل، وصولا إلى مجتمع مدني قائم على احترام وحماية حقوق مواطنيه، والحفاظ عليها.
ولذلك استجابت قوى المعارضة مع دعوات ومبادرات الحوار الوطني ودعت الحكم لأن يبادر بالدعوة للحوار للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد.
ابتداء ليس من الشر في شيء أن يختلف الناس، لكن الشر كل الشر أن يضلوا الطريق الصحيح إلى معالجة الخلاف، ونعتقد أن الطريق الصحيح هو الاحتكام إلى الحق، وهو دائماُ واضح نير إذا صدقت النفوس في الاتجاه إليه، وأقرب طريق إلى الحق هو الحوار العقلي المجرد عن اتباع الهوى، وإنصاف أطراف الحوار ومغالبة المؤثرات المسبقة، وتحديد الغاية وتوضيحها.
لذلك فإن أول أسس الحوار مدعاة لإنجاحه هو الاعتراف بالحاجة للحوار بعد أن أهدرنا دولة ومجتمعا فرصاً كثيرة كانت كفيلة بحل جملة من الإشكالات التي يعاني منها الوطن وكانت سبباً في المراوحة وعدم إنجاز تطور ديمقراطي نوعي بعد كل انفراج أمني منذ العام 1975 وحتى الآن، وثانيها أن ندخل إلى الحوار بقلب مفتوح عنوانه وجوهره أن البحرين الغالية هي هدفنا جميعاً، وأن ما يتحقق من توافق بين الحكم والشعب هو هدف أساس للانطلاق إلى الغد الأجمل الذي بُشرنا به ونحن ننتظر الوصول إليه بجهدنا جميعاً، وثالثها أن ننفتح على الرؤى والمواقف التي تطرح في الحوار ولا تدخل إليه بعض الأطراف بسيناربوهات معدة سلفاُ متمسكين بقشور وشكليات الحوار وبالتالي لا نحقق من الحوار شيئاً، ورابعها أن يشارك الجميع من ممثلي الحكم والقوى السياسية والشخصيات العامة في هذا الحوار الوطني، وتكون نتائجه محل توافق جماعي، وخلق آليات فاعلة لوضع برنامج عمل واضح لتحقيق نتائج الحوار حتى نبني شراكة حقيقية ضمن توافق وطني وعلى أسس ومبادئ الدستور.
وليكن من أهم محاور وأهداف الحوار الوطني أن نتوافق على أسس وآليات ترجمة المبادئ الدستورية الراسخة في الديمقراطيات العريقة كما بشرنا بها ميثاق العمل الوطني، كما أن ميثاق العمل الوطني والدستور يزخران بالكثير من المصطلحات التي تعتبر مبادئ راسخة في الفقه الدستوري ونظم الحكم، فالإصلاح الذي تصدح به صحفنا ومثقفونا ومسؤولو الدولة، والديمقراطية الحقة التي نريدها لشعبنا ووطننا لا الديمقراطية المقيدة، الملكية الدستورية وماهيتها وأسسها وهل نحن نعيش ملكية دستورية حالياً بعد أن مضى على الميثاق هذا السنوات الثماني أم لازلنا بعيدين عن تحقيقها، المساواة والعدالة وسبل نيلها وتنقية التشريع من كل ما يعترض هذا المبدأ ولو لم يكن إلا قانون توزيع الدوائر الانتخابية فإن وحده كفيل بطعن كل محاولة لتعزيز المساواة لما يحمله من غبن وتمييز فاضح، الفصل الحقيقي للسلطات وتعزيزها، كيف نفعل مبدأ أن الشعب مصدر السلطات، من خلال الممارسة السياسية الانتخابية بعيداً عن المراكز العامة والعمليات القيصرية لتفصيل الدوائر الانتخابية لتصبح إفرازات الانتخابات بعيداً عن محاولات فرض المحاصصات الطائفية التي أضرت الوطن وعطلت مسيرته، والحق الطبيعي في الاختلاف، وكفالة حرية الرأي ووضع حد للتضييق على الحريات من خلال قوانين معيقة للتطور الديمقراطي، والتعددية السياسية، وغيرها من الآليات التي تدخل في اختصاص الديمقراطية وممارساتها في التعبير السياسي والإجرائي، هل سنوجد لها مفاهيم جديدة أم نتبنى مفاهيمها الراسخة في الفقه الدستوري وأسس الحكم الصالح.
كل تلك مفاهيم تحتاج إلى تحديد الرؤية والمنهج، والاتفاق على مضمون تلك المفاهيم، وإلا بقيت هذه المصطلحات ومفاهيمها على السطح فارغة من كل مضمون وتحولت إلى أداة جديدة للصراع.