المجالس والمقاهي وتربية الأجيال
ما الفرق بين المجالس والمقاهي؟ وما تأثيرها على تربية الأجيال؟
بالطبع هناك فرق بين المجالس والمقاهي في تربية الأجيال، ومناسبة الحديث عندما تكلّمنا مع الأخ العزيز سنان الجابري، الذي طرح همّه حول تربية الأجيال، وأهمّية تجديد اهتمام الشباب بالمجالس، وتوجيه الرأي العام إلى حضور الشباب الصغار «أجيال المستقبل» إلى هذه المجالس.
للأسف الشديد نجد بأنّ أغلب شبابنا من أبناء جيلي ومن هم أصغر سنا من جيلي، عازفين عن الدخول إلى المجالس، كما نجد العديد منهم فارغين من الداخل عن هموم الشارع العربي، ولا حرج إذا قلنا بأنّهم لا يعرفون إلا الفتات عن الشارع البحريني، والصراعات الموجودة على أرضه.
لقد وُجد المجلس في البيئة البحرينية منذ القدم، وكان مرتعا فكريا واجتماعيا واقتصاديا حيّا، ينبض بأساليب التربية الصحيحة للرجال وللنساء، فكان الشاب يذهب يوميا إلى المجلس ويستفيد من حضوره لصقل هويّته وشخصية، وللاستمتاع كذلك بحديث الكبار.
ولكن اليوم تجد أغلب المجالس لا يرتادها إلا كبار السن ومن يعلم بأهميّة المجالس وفائدتها، ولا تجد الشباب النضر يدخل ويستمع ويستفيد، حتى أنّ بعض المجالس المشهورة في يوم ما باستقطاب الكتّاب والأدباء وكبار الشخصيات، أصبحت اليوم مثالا لوجود بعض الشباب (الصايع الضايع)، الذي لا يعرف كيف يستفيد من وقته إلا في الحديث الفارغ والألعاب غير المفيدة، والتي لا تعلّم الشاب كيف يتكلّم ويقف وقفة الرجال.
وهذا لا ينطبق على الشباب فقط، بل حتى الفتيات أصبحن أسيرات الحاسب الآلي والهواتف النقالة وغيرها، ولا يعرفن كيف تباشرن الناس، ولا يعينَ أهمّية المجلس أو الصالون الفكري في حياتهن.
لا ننكر وجود بعض المجالس التي مازالت إلى الآن تعي أهمّية هذا الموضوع بالنسبة لتربية الأجيال، وتحافظ على التراث الأصيل الذي يعكس الهويّة ويعزّز روح التلاحم والمواطنة وحب الوطن.
فمجلس كمجلس الوجيه حسن بوخوّة على سبيل المثال، معلما حيّا إلى الآن لاستقطاب الرجال والشباب، وصالونا فكريا كل أسبوع لتوجيههم إلى الوجهة السليمة والطريق الصحيح، عن طريق رصد المحاضرات، واستجلاب المحاضرين من كل صوب وقطب، لا لشيء إلا لخدمة البلد، وهو مثال مشرّف للبحرينيين.
أما آن لنا أن نرجع هذه العادة الجميلة، وأما آن لنا أن نوعّي شبابنا إلى الاهتمام بحضور المجالس ومشاركة الناس في همومهم الحياتية، إذا لا بد لنا أن نجاهد في أطفالنا، حتى يهتمّوا بالمجالس من بعدنا.
إن تأثير المقاهي على الشباب ليس تأثيرا سلبيا في حد ذاته، ولكن كثرته تجعل الشاب لا يتعلّم أصول وفنون الحديث والتعامل مع الآخرين، ولا تجعله جزءا من المشكلات ولا كيفية حلّها في وطننا البحرين، ولا تربّي الرجال، كما قامت به المجالس في السابق.
من الواجب علينا حث جيلنا والأجيال القادمة على الاهتمام بالمجالس، وتعريفه بفائدتها وأهمّيتها في صنع الرجال، كما وجب علينا تكرار الكلام بالفعل، عن طريق استقطاب الشباب مرّة أخرى بالمجالس، وجعله يستمتع بها.
في محرّك البحث «يوتيوب»، سمعنا حديثا لطفل أحد «الشيوخ» في البحرين، كان يتكلّم هذا الطفل بطريقة مبدعة وتجده يتحدّث عن مئة رجل، وعندما سأله المذيع عن سبب معرفته وعن مدى ثقافته، قال كلمة يردّدها عليه والده: بأنّ المجلس يصنع الرجال، إذا نجح هذا الوالد في تربية ابنه ليكون عنصرا فالحا في المجتمع، وأصبح الطفل نفسه رجلا يعتمد عليه في يوم من الأيام، وقائدا جديدا يحاكي الآخرين في البحرين.
لو علمنا جيّدا ما يقوم به المجلس وتأثيره الشديد على الشبيبة، لما توقّفنا عن حث أبنائنا على الدخول في هذا المغمار الجميل، بل كنا سنشجّعهم يوما بعد يوم إلى أن تصبح عادة عندهم دخول المجالس والتردّد عليها.
مريم الشروقي
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2707 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ