تمويل المحكمة الدولية اختبار حقيقي للحكومة اللبنانية
بيروت - أ ف ب
ستكون الحكومة اللبنانية الجديدة أمام اختبار نوايا حقيقي حول المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رفيق الحريري عندما يحين موعد تسديد حصة لبنان في تمويل المحكمة التي تشكك في صدقيتها الأكثرية الحكومية، المؤلفة من حزب الله وحلفائه.
واستأثرت المحكمة بجلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة في مجلس النواب الأسبوع الماضي.
فقد انتقدت المعارضة بحدة «البند الملتبس» في البيان حول «احترام القرارات الدولية» و «متابعة المحكمة»، مطالبة بإعلان واضح بـ «التزام التعاون» مع المحكمة الخاصة بلبنان.
ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، هلال خشان لوكالة «فرانس برس»: «الجميع يعلم أن هذه الحكومة لا يمكنها القيام بالشيء الكثير لتقديم مساعدة فعلية للمحكمة» التي أصدرت أخيراً مذكرات توقيف في حق أربعة عناصر من حزب الله بتهمة المشاركة في قتل رئيس الحكومة السابق العام 2005.
ويضيف «أتوقع أن تزداد معارضة حزب الله للمساهمة المالية (في تمويل المحكمة) الآن وأتفهم في الوقت عينه عدم قدرة ميقاتي على تحدي المجتمع الدولي حول هذه المسألة».
وبرزت منذ تشكيل حكومة ميقاتي مواقف عدة ولاسيما من الأمم المتحدة وفرنسا وواشنطن، تدعو لبنان إلى احترام التزاماته الدولية لجهة المحكمة التي نشأت العام 2007 بقرار من مجلس الأمن بطلب من لبنان.
ولعل أبرز ما أثار علامات استفهام حول كيفية تعاطي الحكومة في المرحلة المقبلة مع المحكمة الخاصة بلبنان، هو إعلان نجيب ميقاتي أن حكومته «ستتابع التعاون مع المحكمة»، بينما يجاهر حزب الله برفضه المحكمة «المسيسة» و «الفاسدة» و «اتهاماتها الباطلة».
ووصف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، في حديث تلفزيوني الثلثاء الكلام الحكومي بـ «المتناقض»، قائلا «هم يقولون إنهم لن يتعاونوا مع المحكمة الدولية ثم يقولون كلاماً متناقضاً في البيان الوزاري، ثم يقول رئيس الحكومة الذي هو وكيل لحزب الله، إنه ملتزم بالـ 1757. كيف نصدق ومن نصدق؟».
وأعلن أنه «خائف على موضوع التمويل، وسنرى إذا كانوا سيمولون أم لا، وهكذا نكون عرفنا موقف الحكومة».
ويساهم لبنان بنسبة 49 في المئة من تمويل المحكمة، وهو لم يدفع حصته بعد للعام 2011. أما العام 2010، فقد تولت وزارة المال في حكومة الوحدة الوطنية التي كان يترأسها سعد الحريري، الدفع عبر سلفة خزينة، من دون المرور بمجلس الوزراء.
وأثار هذا الموضوع انتقادات حزب الله وحلفائه الذين رفضوا إقرار بند التمويل في الموازنة العامة خلال مناقشتها في اللجان النيابية؛ تمهيداً لاحالتها إلى مجلس النواب.
ولم يناقش المجلس الموازنة بتاتاً بسبب حدة الأزمة التي شهدها لبنان في ذلك الوقت على خلفية الخلاف حول المحكمة وانتهت بسقوط حكومة الحريري في يناير/ كانون الثاني 2011.
ويرى خشان أن ميقاتي الذي يقدم نفسه على أنه وسطي «سيعمل على تجنب طرح مسألة التمويل داخل مجلس الوزراء ليتجنب حتمية اتخاذ موقف منها».
ويقول المحلل السياسي جان عزيز «نظرياً، هذه المسألة يجب أن تمر عبر الحكومة. رئيس الوزراء يملك القدرة على تعطيل ذلك عبر عدم طرحها على جدول الأعمال. في المقابل، قد يطرح موضوع التمويل كجزء من نقاش الموازنة العامة، وفي إمكان الأكثرية النيابية، أي حزب الله وحلفائه، حينها أن يعطلوا».
ويعتبر عزيز، كاتب الافتتاحيات في صحيفة «الاخبار»، أن «ليس في الكلام الحكومي ازدواجية، بل هو تنوع في اللغة»، مشيراً إلى أنه، منذ تأليفها «لم يكن هناك تطابق في وجهات النظر بين أعضائها حول مسائل عدة بينها المحكمة الخاصة بلبنان».
إلا أن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، عماد سلامه يرى من جهته أن «لا تناقض في موقف الحكومة»، معرباً عن اعتقاده أن «الحكومة الحالية تبنت عن قصد موقفاً ملتبساً من المحكمة وغير واضح، بحيث تبقي هامشاً واسعاً للتعامل مع مسألة متفجرة مثل هذه».
ويضيف أن «هذا الهامش يسمح اليوم لفريق في الحكومة أن يعارض علناً المحكمة، ولجزء آخر أن يقول: أنا أدعم المحكمة».
ويتابع «بهذه الطريقة لا يكون ميقاتي مضطراً للقيام بأمر يتحمل مسئوليته مباشرة امام المعارضة».
وتقابل الأكثرية بكل أطيافها التساؤلات حول التمويل والتدابير العملية للتعاون مع المحكمة بالصمت بينما اعتبر الحريري، أبرز أركان المعارضة أن الحكومة هي «حكومة حزب الله ومن يقرر فيها هو حزب الله».
في هذا الوقت وبانتظار طرح بند التمويل مجدداً على بساط البحث، تواجه الحكومة استحقاق التعاون مع المحكمة لجهة تسليم المتهمين الأربعة الذين أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن «أي حكومة لن تكون قادرة على إيجادهم واعتقالهم».
وأمام السلطات اللبنانية مهلة ثلاثين يوماً (من دون العطل) منذ تسلمها مذكرات التوقيف في 30 يونيو/ حزيران، لإبلاغ المحكمة بما فعلته في هذا الإطار.
ويقول خشان إن «السلطات اللبنانية تحقق في مكان وجود المتهمين، وعندما تنتهي مهلة الثلاثين يوماً، ستبلغ الحكومة المحكمة أنها لم تعثر عليهم في أي مكان».
ويضيف «تقنياً، هذا كل ما هو مطلوب من الحكومة الآن»
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3235 - الأحد 17 يوليو 2011م الموافق 15 شعبان 1432هـ