أطفال الضحايا للبيع – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/02/blog-post_17.htmlأثار انتباه شرطة هايتي الحدودية قدوم عربة أقلّت 33 طفلا كانوا بصحبة عشرة من المبشرين الأميركان، الذين قالوا إن هؤلاء الأطفال من الأيتام الذين خلفهم الزلزال الذي ضرب الجزيرة، وقد تم تبنيهم بواسطة جمعية «الحياة الجديدة» الخيرية التي ينتمون إليها.
وحين طلب من المبشرين تقديم الأوراق التي تثبت أنهم أنهوا إجراءات التبني، أو أن أولئك الأطفال أيتام حقا، فإنهم عجزوا عن إثبات شيء مما ادعوه.
كان الأطفال خليطا من الصبيان والبنات، وأعمارهم تراوحت بين شهرين واثني عشر عاما، والواقعة حدثت في بلدة «مالباسي»، التي تمثل المعبر الرئيسي بين هايتي وجمهورية الدومينيكان المجاورة.
وكان ذلك المعبر قد شهد نشاطا مكثفا في أعقاب الزلزال الذي ضرب الجزيرة في 12 يناير الماضي، وأسفر عن مقتل نحو 150 ألفا وإصابة 250 ألفا آخرين وتشريد قرابة مليون ونصف المليون،
ورغم أن العربات كانت تعبر من المكان على مدار الساعة، إلا أن حالة حافلة الركاب هذه أثارت شكوك شرطة الحدود، فاحتجزوا ركابها وأبلغوا السلطات المختصة بأمرهم.
وحين تمت التحريات بسرعة، تبين أن بعض الأطفال المزمع نقلهم إلى خارج البلاد لهم آباء لايزالون على قيد الحياة، وأن سلطات تاهيتي تسعى إلى لمّ شملهم على عائلاتهم.
وعلى الفور اتخذ التحقيق مسارا آخر، وبدا الحديث عن عملية تهريب للأطفال تحت ستار العمل الخيري وبواسطة مبشرين ينتمون إلى جمعيات مشبوهة.
لم تكن هذه حالة فريدة في بابها، لأن التقارير الصحافية ذكرت أن سلطات الحدود أوقفت حالات أخرى مماثلة، لكن ما أثار الانتباه هذه المرة هو عدد الأطفال الذين جرت محاولة تهريبهم وكون عملية التهريب باشرتها جمعية تبشيرية كاثوليكية ـ
وكانت منظمة اليونيسيف المعنية بشؤون الأطفال قد حذرت من جماعات الاتجار بالبشر، التي ينتشر أفرادها في البلدان التي تتعرض لكوارث طبيعية، ويسارعون إلى خطف أكبر عدد ممكن من الأطفال بدعوى أنهم يتامى، ويقومون ببيعهم في أسواق أوروبا والولايات المتحدة.
وفي حين تحاول السلطات المعنية في كل بلد أن تجمع شتات الأسر من ضحايا هذه الكوارث، فإن تلك الجمعيات أو المنظمات التي تختطف الأطفال تعمل على تكريس تفريقها إلى الأبد.
قبل سنتين ضبطت واقعة مماثلة، حين حاولت مجموعة مماثلة تنتمي إلى منظمة فرنسية باسم «انقذوا الأطفال» تهريب بعض أطفال «دارفور» عبر تشاد المجاورة.
وتمت محاكمة الخاطفين وسجنهم هناك، ولكن الرئيس الفرنسي تدخل لمصلحتهم حتى تم إطلاق سراحهم وعودتهم إلى بلادهم، بدون الأطفال بطبيعة الحال.
لا نستطيع أن نعمم، فلا كل المنظمات الإغاثية كذلك، ولا كل البعثات التبشيرية ترتكب مثل هذه الجرائم، لكن الذي لاشك فيه أن بعضها تتستر تحت لافتات وأقنعة الإغاثة والتبشير لممارسة تجارة البشر، التي تعد دول العالم الثالث مصدرها الأوفر، وأن دول العالم الأول هي «المستورد الأول» إذا جاز التعبير.
هذه الخلفية تستدعي أكثر من سؤال حول حقيقة الأنشطة التي تقوم بها تلك المنظمات في دول أفريقيا وآسيا، خصوصا في مجتمعاتها الإسلامية، ونسبة غير قليلة منها بلاد ابتليت بالمجاعات والكوارث، حتى أصبحت المصدر الأول للاجئين في العالم.
في الوقت ذاته، فإن ذلك ينبهنا إلى مدى الضرر الذي لحق بهذه المجتمعات جراء حرمان المنظمات الإغاثية الإسلامية من العمل فيها، ومنع تلك المنظمات من مباشرة أي أنشطة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، في إطار ما سمي بالحرب ضد الإرهاب، وهو ما أحدث فراغا كبيرا في وسط آسيا وفي أنحاء أفريقيا، الأمر الذي ترتب عليه اندفاع المنظمات الإغاثية والتبشيرية الغربية لملئه بكل ما أوتيت من قوة وقدرة.
وهو ما وضعنا إزاء مفارقة غريبة، إذ لم تؤتمن المنظمات الإغاثية والخيرية الإسلامية على العمل في أوساط المجتمعات المسلمة، في حين فتحت أبواب تلك المجتمعات على مصارعها للمنظمات الغربية باختلاف مشاربها، لممارسة الإغاثة والتبشير وتهريب الأطفال!