أخلاقيات المارينز!
في السبعينيات شكّل جيمي كارتر «قوات التدخل السريع» وهدّد بإرسالها إلى المناطق التي تهدد المصالح الأميركية! وفي الثمانينيات نفذ تهديده خلفه رونالد ريغان!
في التسعينيات أرسل جورج بوش قواته إلى الكويت لتحريرها من جيش صدام حسين، وفي الألفية الجديدة أرسلها ولده جورج إلى العراق وأفغانستان تنفيذاً لأوامر الرب!
كانت «المارينز» طليعة القوات الأميركية الضاربة التي يخوفون بها الشعوب والأقوام! كانوا يصوّرونها كقواتٍ برمائية زاحفة، تغزو القارات وتطيح بمن تشاء من الحكومات! وكانوا يتفاخرون بقدراتها الخارقة على عمليات اقتحام السواحل والعمل براً وبحراً وجواً، بالإضافة إلى توصيل الأسلحة والتموين في أوقات الأزمات، وكانوا يسمونها «قوات مشاة البحرية».
الجيش الأميركي ليس كما تصوّره أفلام هوليوود، جيشاً عقائدياً يدافع عن الديمقراطية والحرية وينقذ الأسرى والرهائن الأبرياء ويخلصهم من براثن الإرهابيين. والحقيقة أنه كأي جيش أو ظاهرة عسكرية في العالم عبر التاريخ... جيشٌ يدافع عن مصالح بلده، ويخوض حروبها، ويتعرض للهزائم والفضائح والانتكاسات. ونحن الذين شهدنا صعود وعنفوان العسكرية الأميركية قبل ثلاثة عقود، نتابع اليوم تفاصيل انسحابها المذل من العراق، وقريباً من أفغانستان.
طوال أمس، كان أحد الأخبار الرئيسية على الفضائيات، شريط الفيديو الذي يظهر فيه أربعة من رجال المارينز يتبوّلون على جثث ثلاثة عناصر من طالبان. وهي صورةٌ تعبّر عمّا لحق بهذه القوة العالمية الكبرى من انحطاط.
هناك حدٌّ أدنى من الأخلاقيات يجب ألا يهبط تحتها العسكر. التبول على جثث قتلى أو في أفواه سجناء وأسرى، لا يملكون القدرة على الدفاع عن أنفسهم. أية همجيةٍ ينحط إليها العسكر؟
في صبيحة الثاني من مايو/ أيار الماضي، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما قتل أسامة بن لادن، وبعدما نشر الجيش الأميركي صورةً مفبركةً لوجهه كشفتها الصحافة، وطالبت بنشر الصور الحقيقية، ادعى الجيش الأميركي أنه أغرق الجثة في المحيط الهندي، ليضع خاتمةً لأغرب عمليات الاغتيال في العالم وأصعبها تصديقاً. وهو سيناريو فتح عليه مزيداً من الطعون الأخلاقية، لم يخففها حتى الادعاء بجلب إمام مسلم ليصلّي عليه و «يدفن وفق الشريعة الإسلامية»، التي لم نسمع أن من طقوسها دفن جثث القتلى في البحر!
كان نصراً باهتاً وبارداً وتافهاً أخلاقياً. وسبقه انتشار صور المعتقلين في أبوغريب وغوانتنامو، حيث أصبحت أيقونات للتشهير بالسياسات الأميركية وازدواجيتها في مجال الحرية وحقوق الإنسان.
نحن لا نطلب الأخلاق ممن لا يضع للأخلاقيات اعتباراً في رسم سياساته، لكن هناك حداً أدنى إذا نزلت عنه فإنك تتحوّل من إنسانٍ إلى حيوان. حتى الحيوانات المفترسة والوحوش الضارية لم نشاهد لها فيديو وهي تتبوّل على جثث طرائدها المغطاة بالدماء. هناك دائماً شيء اسمه كرامة بشر.
الجيوش لم تؤسّس لحماية الشعوب والدفاع عن حياض الوطن، كل ذلك مانشيتات للخداع. وإنّما أسست لحماية مصالح الأقليات وأصحاب النفوذ عبر التاريخ، إلا من عصم الله.
في حضارتنا الإسلامية، كان الرسول الأعظم (ص) يوصي جنوده بألا يقتلوا مدبِراً، ولا يُجهزوا على جريح، ولا يتعرّضوا لامرأةٍ أو طفلٍ أو شيخٍ طاعنٍ في السن. وينهاهم عن المثلة ولو بالكلب العقور. تلك هي حروب الرسالات وأخلاق الأنبياء، وكان شاعرنا يفتخر بفرسانه النبلاء ويقول (وهو من البحر الطويل):
حامي الظعينةِ أين منه ربيعةٌ... بل أين من عليا أبيه مكدّمُ
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3415 - الجمعة 13 يناير 2012م الموافق 19 صفر 1433هـ