اراء وافكار حول عمل اجهزة المخابرات في البلدان العربية
05.08.2010 آخر تحديث [16:07]
جاء في مقال نشر على موقع معهد الشرق الاوسط يناقش فيه خبير روسي احد الضباط السابقين في جهاز المخابرات الالمانية حول عمل ونشاط اجهزة المخابرات في البلدان العربية. جاءت المناقشة على اثر اكتشاف مؤخراً شبكة تجسس لحساب اسرائيل في لبنان. ودون النظر الى نجاح الاجهزة اللبنانية الا ان فيلهلم ديتل الضابط السابق في جهاز المخابرات الالمانية الغربية الذي كان يعمل في منطقة الشرق الاوسط كمراسل صحفي يقول " ان اجهزة المخابرات العربية ومن ضمنها اللبنانية غير فعالة ". الا ان الخبير الروسي لايتفق معه في هذا الموضوع.
عمل ديتل في الشرق الاوسط مدة 11 عاما، حيث عمل في سوريا ولبنان والاردن ومصر والمملكة العربية السعودية. وبعد استقالته من جهاز المخابرات الالمانية " بي ان دي – BND" الذي يقاضيه حاليا، اصدر كتابا في المانيا تحت عنوان " جيوش الظل: الاجهزة الخاصة في العالم الاسلامي ". يتحدث الكتاب عن تاريخ اجهزة المخابرات في البلدان الاسلامية وبشكل اساسي العربية منها. وفي اسرائيل يصفون الكتاب المذكور بانه اشمل ماكتب حول هذا الموضوع منذ صدور كتاب يعقوب كاروز " الاجهزة العربية الخاصة " الذي صدر باللغة العبرية عام 1976 بعد ان كان المؤلف قد استقال من جهاز المخابرات الاسرائيلي " الموساد " قبل اكثر من عشر سنوات.
ضابط المخابرات الالمانية السابق: ببساطة الحظ يحالف اللبنانيين
يقول ديتل " ان اكثر اجهزة المخابرات العربية تختلف جذريا عما في مفهومنا لاجهزة المخابرات ". ان الجزء الاكبر من عمل BND يتركز مثلا في جمع المعلومات الاستراتيجية والسياسية او العسكرية وايضا تقييم وتحليل الاتجاهات المحتملة وليس قتل وتعذيب الناس. اما الاجهزة العربية فتعتبر ان واجبها الاساسي هو حماية النظام او القائد، لذلك فهي قاسية وتتصرف بدون رحمة. وهي فوق القانون بل هي القانون، ويعتبرون انفسهم مرجعا الاهيا. فهم يعذبون المتهم بدون رحمة لذلك فهو مستعد للاعتراف باي جريمة كانت. اعتقد ان هذا هو احد اسباب اكتشاف شبكة التجسس الاسرائيلية في لبنان.
ان الرأي الذي طرحه ديتل يختلف جوهريا عما نشرته وسائل الاعلام العالمية التي تشير الى انه تم كشف الشبكة بعد ان سلمت الولايات المتحدة الامريكية معدات واجهزة رصد حديثة للجيش اللبناني. ويشير ديتل الى ان " الاتهامات والتصريحات بدأت منذ التحقيق الاول الذي اجرته الاجهزة الامنية لحزب الله عن ان المقصود عملاء " الموساد " بسبب ما اوحت اليه تصرفات عدد من المتهمين مثل مصروفاتهم المالية الكبيرة ". ويضيف ديتل انه بعد ذلك وخلال التحقيقات " جرى اعتقال ، أي " خطف " المتهمين وتعذيبهم والحصول منهم على الاعترافات اللازمة".
ويقول ديتل " حقا ان المخابرات الاسرائيلية اصيبت بالفشل في لبنان ولكن في نهاية الامر كانت هذه مسألة حظ اكثر مما هي مسألة عمل مهني عربي. ففي هذه المرة حالف الحظ المخابرات اللبنانية اكثر من السابق، وانا لم اسمع ولم اقرأ ردود الفعل الاسرائيلية حول هذه الاعتقالات،ويمكن ان يكون هذا افضل. لذلك بالذات لا علم لي بما فعلته اسرائيل بما حدث في لبنان وماهي استنتاجاتهم، ولكن ما اعرفه عن المخابرات الاسرائيلة يدفعني للاعتقاد بانهم خرجوا باستنتاجات مناسبة. وفي نهاية الامر اعتقد ان المخابرات اللبنانية كغيرها من المخابرات العربية سوف لن تتغير في المستقبل المنظور وستبقى غير فعالة ".ويؤكد ديتل: ان العاملين في اجهزة المخابرات العربية يخافون جدا من اقتراف خطأ يفقدهم عملهم، اذا لم يفقدهم حياتهم ، اكثر من تنفيذ التزاماتهم بدقة وبشكل محترف ،" وهذا يشكل نجاحا للمخابرات الاسرائيلية لان اعدائهم هم بهذا الشكل ".
الخبير الروسي: لا تتميز اجهزة المخابرات العربية بتحليل جيد للاوضاع، ولكنها من وجهة النظر العملياتية فهي مؤهلة جدا.
من جانبه يعترف يوري شيغلوفين خبير معهد الشرق الاوسط بامكانيات ديتل العالية، ولكنه يقول انه في نفس الوقت عند تحليل عمل اجهزة المخابرات العربية يجب الاخذ بنظر الاعتبار المهام الملقاة على عاتقها، ويؤكد " لا اشك ابدا بامكانيات الجاسوس الالماني السابق، وتقليديا كان للمخابرات الالمانية موضع قدم ثابت في الشرق الاوسط منذ زمن " Abwehr " (المخابرات العسكرية ومكافحة التجسس خلال الفترة بين اعوام 1919 و1944 ). ويكفي ان نتذكر العلاقات الوثيقة بين المخابرات الالمانية وجبهة التحرير الجزائرية التي تسببت في تصفية عدد غير قليل من عملاء المخابرات الالمانية من قبل المخابرات الفرنسية. كما كانت مخابرات المانيا الديمقراطية قوية في العالم العربي ودربت عددا كبيرا من الكوادر المحلية". ويضيف شيغلوفين متفقا - ان ديتل يعرف مايقول حول كون مهمة المخابرات العربية محصورة في الاساس بحماية الانظمة القائمة في بلدانها.
الا ان شيغلوفين يستدرك قائلا ان هذه ليست المهمة الوحيدة للمخابرات العربية.
وهنا نذكر باختصار بعض النصوص من كتاب ديتل :
كانت الانظمة العربية القوية نوعا ما ( مصر، سوريا ، ليبيا ، العراق ) دائما اسيرة الوحدة العربية الشاملة ،مع بعض الاختلافات هنا وهناك، الا ان أي دكتاتور عربي كان بعد ان يصفي المعارضة الداخلية يسعى لفرض سيطرته على العالم العربي بقوته وامكانياته الكبيرة. ونعيش في الوقت الحاضر ازمة هذه الايديولوجيا والتي نتج عنها ظهور فكرة جديدة لتوحيد الامة التي تدعو لها اليوم المنظمة الاسطورية " القاعدة ". ولم تقف اجهزة المخابرات للديكتاتوريين العرب مكتوفة الايدي تجاه نشاط هذه المنظمة تحديدا. وكانت كافة جهود هذ الاجهزة واموالها موجهة بالذات في هذا الاتجاه، وظل الامر يتعلق فقط بدرجة غطرسة هؤلاء الدكتاتوريين الذين تعمل هذه المخابرات لحسابهم.
لقد عمل المصريون في عهد جمال عبد الناصر في كافة انحاء العالم العربي، وتمكن صدام حسين خلق احزاب موالية له في اكثر البلدان العربية، ومد الليبيون اصابعهم ليس فقط في بلدان العالم الاسلامي ، بل وفي افريقيا ايضا، وحقق السوريون نجاحات باهرة في لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية. وبكل بساطة فان دمشق التي لاتملك طموحات عالمية ركزت " نشاطها على "القريب والمفهوم " أي على الجيران. ويمكن التأكيد بكل ثقة بان دمشق تراقب وتسيطر تماما على كل اتصالات الفلسطينيين، وفي لبنان تعمل لصالحهم " شبكة عملاء من علية القوم " تضم قادة احزاب غير صغيرة بالمرة. لذلك فان الحديث عن عدم اهليتها في غير محله. المسألة في مدى ضخامة وعمق المهام المطروحة امامها.
اما نشاط اجهزة المخابرات العربية في اوروبا فيعمل السوريون والمغاربة والمصريون بنشاط ليس فقط ضد المعارضة الوطنية، بل وفي تهريب الاموال وتمويل مجموعات متمردة مختلفة.
ان خصوصية عمل اجهزة المخابرات العربية ينحصر في اختراق المجموعات الارهابية والمتمردة اوقوى المعارضة وحتى " احتوائها " كاملة. بهذا الشكل تخلق خلفية طبيعية ليس فقط لنشر ايديولوجيتها، بل والحصول على معلومات استخباراتية انية.مسألة ثانية انه لاسباب ذاتية فان موضوع التحليل عند العرب مازال سيئا. اما من ناحية الخطط العملياتية فهم مؤهلون جدا.
اكتشاف شبكة التجسس في لبنان: هل هي نتيجة التعذيب ام بمساعدة خارجية
يؤكد ديتل على ان الوسيلة الوحيدة التي تعتمدها المخابرات العربية للحصول على الاعترافات هي التعذيب. في هذا الشأن يقترح شيغلوفين تركيز الاهتمام على هذا الشيء لان هذه الطريقة ادخلها رجال الغستابو والمخابرات الالمانية الذين استقروا في الشرق الاوسط وخصوصا في مصر وسوريا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وحسب قول شيغلوفين لم يتخلف الفرنسيون عن الالمان في الموضوع حيث استخدموا بشكل واسع " التعذيب والاغتصاب " في مكافحة الوطنيين الجزائريين.
يقول شيغلوفين: لاجل الموضوعية يجب الاعتراف بان عمليات التعذيب حاليا هي الاسلوب المنتشر والنموذجي، لانه ليس هناك من يعترف طوعا. واخيرا ان هذا الاسلوب هو الارخص بين كل الاساليب المعروفة.
ونعود الى مسألة لبنان ونقول ان لجنة " مكافحة الجاسوسية " التابعة لحزب الله قبضت على الشبكة ليس بسبب بذخها. ففي الشرق هذا اتجاه عام وكل واحد يسعى للغنى بكل السبل المتاحة. اول اشارة استلمها حزب الله من الاصدقاء السوريين الذين كما هو معروف يعلمون بنشاط لالتقاط اشارات الراديو وتحديد اتجاهها في جنوب لبنان ايضا. واقتصدت المخابرات الاسرائيلية حين سلمت وكلائها في لبنان اجهزة اتصال بدائية، لان عدد الوكلاء كبير ولكن الاموال المخصصة قليلة. فبعد اعتقال عميل واحد باشارة من سوريا، تمكنوا من ان ينتزعوا منه اعترافات ، لان توجيه تهمة له استناداً لاشارات الراديو الملتقطة كان امرا مرفوضا بسبب السرية. أي ان التعذيب استخدم عندما كانت لجنة مكافحة الجاسوسية على يقين من ان المعتقل هو جاسوس ولا يجوز كشف الدلائل له. ويجب الا ننسى ايضا انه تم فيما بعد تسليم المعتقلين الى السلطات المركزية اللبنانية حيث كان بامكان هؤلاء التخلي عن اعترافاتهم ، ولقد كان هذا منطقيا وصحيحا وذلك لان رجال سعد الحريري لا يميلون الى تصديق حزب الله وهم مستعدون لاستخدام أي عذر من اجل الفضيحة. انطلاقا من هذا يمكن ان نقول ان الادلة ضد المعتقلين " حديدية ". اضافة لذلك من الضروري الاخذ بنظر الاعتبار بان الاعتقالات جرت في مناطق مختلفة من لبنان ولم تقتصر على جنوب لبنان وعلى ما قامت به لجنة مكافحة الجاسوسية لحزب الله.
فهل هذا الفشل بسبب خطأ المشرفين الاسرائيليين؟ طبعا. ان الخطأ الرئيسي هو البناء الهرمي للشبكة وعدم المبالات وخرق متطلبات السرية عند المكالمات بالهواتف المحمولة من قبرص وايضا الشفرة المستخدمة في اجهزة الاتصال القديمة.
لا اعتقد ان رجال المخابرات اللبنانيين بمساعدة زملائهم الامريكان تمكنوا من فك الشفرة. المقصود هنا عدم الالتزام بمتطلبات السرية عندما كان الوكلاء يرسلون المعلومات التي جمعوها الى المشرف بواسطة هاتف محمول وتكاسلهم لاجراء لقاء شخصي. فاذا " اعتقل " اللبنانيون المشرف فانهم عرفوا العاملين على اللاسلكي وحصلوا منهم على مفاتيح الشفرة. بعد هذا اصبحت مسألة القضاء على الشبكة مسألة فنية. اما مايخص فعالية اجهزة المخابرات من عدمها، فان التقييم يجب ان يتم حسب المهام المطروحة امامها والنتائج التي توصلت اليها. لايستوجب هنا اعتماد مفاهيم اوروبية عامة، فالقضاء على شبكة التجسس الاسرائيلية في لبنان نفذته المخابرات اللبنانية التي قيل انها "غير مؤهلة ".