يا يُبَه زوِّجني!
في المقدمة التصويرية للمسلسل الكويتي الشهير «جحا»، الذي أنتج قبل ربع قرن، تخاطبه ابنته بقولها: «يا يُبَه... زوِّجْني»!
لم يكن هذا الطلب مألوفاً في المجتمع الخليجي آنذاك، وربما مازال الأمر كذلك، لكن قوة العين وقلة الحياء جعلت منها مفارقةً صارخة.
أتذكّر هذه العبارة كلما قرأت مقالاً يستخف بقوة الدولة الإعلامية، ويسخر من ضعف أدائها، ويتهمها بالإهمال والتقصير، وخصوصاً في المجال الخارجي.
لو أجرى أحد الباحثين الاجتماعيين رصداً لهذه المقالات، لربما عثر على 960 مقالاً (بتقدير مقالين أسبوعياً في 4 صحف) خلال عشر سنوات. وسيجد ما لا يقل عن 4800 مقال، أي خمسة أضعاف ذلك، خلال العام الماضي وحده.
الحملة الممنهجة على الدولة واتهامها بضعف الأداء الإعلامي ليس صادقاً ولا بريئاً، وإنما له أهدافٌ أخرى، بعيدة المدى، كمن يلقي ببذرةٍ في الأرض وينتظر حتى تمطر السماء.
أصحاب هذه المقالات، وهم بضع عشرات، تعرفهم بسيماهم من أثر السجود على الأحذية والأعتاب. وهم لا يطرحون فكراً سياسيّاً، ولا يناقشون شأناً عامّاً، وإنّما يفكّرون بطريقة الغنائم والأسلاب.
هؤلاء لم يخطر ببالهم يوماً الكتابة عن الديمقراطية والمساواة بين البشر واحترام حقوق الإنسان، حتى بعد بزوغ الربيع العربي وتفجُّر الانتفاضات. كل ما فكّروا به كيف يقطفون الثمار.
يفكّر أحدهم بهذه الطريقة: ركّز على ضعف أداء الدولة إعلاميّاً. أكتب عن هذا الموضوع مرتين أسبوعيّاً. اجعل منها قضيةً كبيرةً ومُلحّةً. ولمّح للعلاجات الناجحة: ضرورة تقوية محطات الإرسال الإعلامي في عواصم الدول الكبرى حيث يصدر القرار. تقوية المحطات تحتاج إلى إنشاء مكاتب علاقات عامّة، وملحقيّات ثقافية وإعلامية. فإذا أوجدت حالة من الشعور بالحاجة الماسّة إلى هذه الوظيفة، تكون قد قطعتَ نصف الطريق، وعليك أن تنتظر نزول المطر في النصف الثاني.
حين تفكر الدولة في تشكيل هذه الوحدات الإعلامية الضاربة في الخارج، التي سترد عنها الحملات المشبوهة في الفضائيات والصحف الأجنبية، وفي المنظمات الحقوقية الدولية، تكون الثمرة قد أينعت وحان وقت قطافها. انتظر برهةً... ولبّث قليلاً يلحق الهيجا حَمَل!
لا يكتب كاتبٌ موالٍ للدولة في المنشط والمكره، عشرات المقالات في عام واحد، ويلح في انتقاد الدولة على ضعف أدائها الإعلامي في الخارج، إلا لسبب. ولا يمجد بأداء المعارضة إعلاميّاً وكسبها معركة الخارج إلا ووراء الأكمة ما وراءها. فمثل هذه الحكحكة لمواضع ألم الدولة إلا ابتغاء حِلْيةٍ يلبسونها.
خلقُ قناعةٍ لدى الدولة بضرورة تجنيد جيشِ من الإعلاميين في الخارج سيفتح باباً واسعاً للرزق والأعطيات، وبدلات السفر والامتيازات، والإقامة في فنادق الخمس نجمات. و «بسنا فلوس يا حسين» كما كان يردد سعد الفرج!
الدولة، وبكل موضوعية، ليست بحاجة إلى تجنيد كتّاب فاشلين للدفاع عنها في الخارج. هؤلاء أنفسهم خسروا الحرب الإعلامية في الداخل، بعد أن عجزوا عن كسب معركة العقول، إذ تحوّلت في عيون أغلبية الجمهور إلى نماذج أراجوزية باهتة. ويزيدها انحطاطاً لدى الرأي العام ما يتكشف عمّا تناله من أعطيات و «كوميشنات».
هؤلاء لا يفكّرون في مستقبل وطن، ولا رفاهية شعب، وإنّما يفكرون فقط بما تناله أيديهم من غنائم في أزمنة الفتن. هؤلاء بنات جحا، شعارهم الوحيد «يا يُبَه زَوِّجْني».
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3511 - الأربعاء 18 أبريل 2012م الموافق 27 جمادى الأولى 1433هـ