هكذا تستقبلون رمضان؟
حين ختمت المقال الأخير «في استقبال شهر الرحمة»، مساء الخميس بعبارة: «... رمضان كريم»، لم أكن أتوقع أن تغرق عشرات المناطق السكنية قبل منتصف تلك الليلة، في سحب الغازات الخانقة ومسيلات الدموع.
كانت الدولة قد أعلنت مبكراً عن بدء شهر رمضان من يوم الجمعة، ولم يكن في الشوارع ما يشي بوجود أية احتجاجات أو مظاهرات، غير بعض سيارات الأمن التي تجوب الشوارع على مدار 24 ساعة. وكان الوضع هادئاً حتى العاشرة، إذ سُمعت أصواتٌ لمجموعةٍ صغيرةٍ من الشباب يتظاهرون، ما هي إلا خمس دقائق حتى امتلأت سماء القرية بسحب الدخان الخانقة.
النوع الجديد المستخدم في الأشهر الأخيرة من قنابل الغاز المسيل للدموع يتم إطلاقه دون إحداث صوت، على خلاف الأنواع القديمة. ولذلك لا يتهيأ للأهالي الآمنين في بيوتهم اتخاذ أية إجراءات لحماية أطفالهم أو عجائزهم ومرضاهم، من مضاعفات الغاز.
كنت سأركن السيارة جانباً، ومثل هذه الأحداث الدراماتيكية تجري بصورة سريعة جداً، حيث لا تخرج مجموعة صغيرة من الشباب حتى تداهم المناطق السكنية عدة سيارات محمّلة برجال الأمن، ولا يستغرق إغراق المناطق السكنية بالسحب الغازية الخانقة أكثر من دقائق. وقد اكتشفنا انها طريقةٌ من إبداع أحد المستشارين الأجانب الجدد المتخصصين في قمع الحشود كما يقال، وذلك بنشر «سجادة من الغازات»، حسبما صرح لإحدى الصحف الأجنبية.
ما يحدث في مناطق البحرين، أن يخرج العشرات في مجموعات شبابية لتردّد شعارات سياسية، وهو ما لا ينطبق عليه مسمى «حشود» أصلاً، وما يجري هو أسلوبٌ من المعاقبة الجماعية لمنطقة من عشرين أو ثلاثين ألفاً، لمسيرة لا تضم غير العشرات، وأحياناً تكون أعداد قوات الأمن أكثر من المحتجين.
كان أول سحورٍ تناوله سكان تلك المناطق مختلطاً هذا العام بروائح مسيلات الدموع، فجر الجمعة الماضي. وكانت الجمعيات السياسية المعارضة قد دعت إلى مظاهرات في 25 منطقة عصر الجمعة، ولكن الداخلية استبقت ذلك بإعلان منعها، في خطوة اعتبرتها الجمعيات غير مبررة، وتضييقاً لما تبقى من هامش محدود للحركة والتعبير عن الرأي. ويرى البعض ان هذا المنحى إنما يستهدف جر الساحة إلى مزيدٍ من الاحتقان وردود الفعل الغاضبة، لاتهام الحركة السلمية بالعنف كهدف استراتيجي قديم.
في عصر الجمعة، وحتى الخامسة، كان الوضع هادئاً فيما عدا انتشار سيارات الأمن على مداخل المناطق المعاقَبَة. وكان الناس يتزودون باحتياجاتهم من الأسواق. وكما في كل مرة، تنفجر الأحداث فجأةً، وتتم ملاحقة أي حشد صغير، وأحياناً استهداف المارة عملاً بمبدأ الشك في الجميع، وهكذا تتحول الشوارع والأزقة الضيقة إلى ساحات مواجهة، ويتم استهداف المنطقة بأسرها، بيوتاً ومتاجر ومحال بقالة ومخابز وبرادات.
هذا هو واقع الحال لعشرات المناطق والقرى، دون مبالغة أو تهويل. ويمكنك متابعة التفاصيل أولاً بأول، من خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر»، لتلم بالخبر والمعلومة والصورة معاً، وأحياناً لقطات الفيديو التي تكشف واقع الحال. وفي حصيلة اليوم الأول من شهر رمضان، تم استهداف أكثر من 70 منطقة وقرية في هذا البلد الصغير الذي لا تزيد مساحته على 720 كيلومتراً مربعاً.
كانت الفقرة الاخيرة من مقال الجمعة: «جمع الله قلوب المسلمين على الهدى ليستلهموا من نبيهم قيم الحب والتسامح والتراحم والتواد...»، أفهكذا تستقبلون رمضان؟
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3606 - الأحد 22 يوليو 2012م الموافق 03 رمضان 1433هـ