يوم العدالة الجنائية... وضحايا النزاع
احتفل العالم في 17 يوليو/تموز الماضي بيوم العدالة الجنائية الدولية والنضال العالمي من أجل العدالة والكرامة والمحاسبة بحسب ما أقرته، منذ عامين، الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية من أجل التذكير بأنه «لا كرامة بدون محاسبة».
ولقد انضم المركز الدولي للعدالة الانتقالية إلى أصدقائه وشركائه من حول العالم في الإشادة بالإنجازات البارزة التي تحققت في السعي إلى تحقيق المحاسبة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، واستحضار المركز نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي ينص على ضرورة وضع حد للإفلات من العقاب على الجرائم «التي هزّت ضمير الإنسانية».
وبحسب موقع المركز الدولي للعدالة الانتقالية فقد أشار عندما «تخضع السلطات القامعة للمطالبة بالعدالة، يجب عدم حصر الطرق المؤدية إلى المحاسبة بقاعات المحاكم. المحاكمات الجنائية أساسية، إلا أنها جزء من إطار أوسع لتحقيق العدالة والمصالحة والسلام الدائم. تشمل المحاسبة الفعلية الحقّ في معرفة الحقيقة والعدالة، وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار انتهاكات الماضي».
ولا يمكن أن يتحقّق السلام المستقرّ والدائم من دون تلبية المطالبة بتحقيق العدالة. وهذا ما يشير إليه مدير برنامج الحقيقة والذاكرة لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية إدواردو غونزالس قائلاً: «وعد العدالة الانتقاليّة هو أنّ السلام سيتخطى وقف الأعمال العدائيّة، ليشمل مواجهة ومعالجة مباشرة لأسباب الحرب. تحمل إجراءات العدالة الانتقالية وعداً في التوصل إلى ديمقراطية حقيقيّة ومستدامة وسلام دائم».
إن الدور الأساسي للعدالة الانتقالية في عالم اليوم يساهم في نشر الدروس المستخلصة لدول مثل مصر وكولومبيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها من البلدان التي تحمل إرثاً من العنف. لأن هناك الحاجة إلى مقاربة شاملة ومتكاملة من أجل تحقيق المحاسبة في أعقاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ولو نظرنا إلى المنطقة العربية في المرحلة الراهنة فإن من يتأثر بالمتغيرات السياسية المختلفة والانتهاكات التي تليها من جرّاء ذلك هم بالدرجة الأولى الأطفال والشباب. فالانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بيد الأنظمة القمعية التي تدخل في صراع بين الديكتاتورية والديمقراطية.
ويظهر الأطفال بشكل خاص هم الأكثر عرضة للتأثيرات التي تخلفها النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. وفي العديد من المناطق الخارجة من النزاع، يشكل عدد الأطفال والشباب أكثر من نصف السكان المعرضين. وغالباً ما يكونون هدفاً محدداً لانتهاكات حقوق الإنسان بسبب سنهم ووضعهم الاجتماعي، وهذا ما نجده اليوم في البلدان التي تشهد نزاعات مختلفة واحتجاجات سياسية يومية في البلدان العربية من الخليج إلى المحيط، فهم في الغالب يصبحون إما ضحية هذا النزاع أو شاهداً على الجرائم.
وفي حال لم تلجأ الحلول السلمية لإيجاد حل لمشكلة النزاع فإن هذه الدول مقبلة على تنامي جيل لا يخلو من الإعاقات الجسمية والنفسية، وآخر من المجرمين، والسبب التمادي في بطش الأنظمة الديكتاتورية التي تجد من يدعمها ويحمي سلطتها الحديدية، كما كان مثلاً إبان مثلاً حقبة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي المتهم بجرائم كبرى في حق الشعب التونسي.
ويرى خبراء العدالة الانتقالية أن آثار الانتهاكات مثلاً عند الأطفال تختلف عن البالغين. وربما يكونون ضحايا التجنيد القسري، والتعذيب والنزوح أو الاعتداء الجنسي، ما يؤدي إلى أذى جسدي ونفسي خطير. وإذا ما خسروا أولياء أمورهم، قتلاً أو بسبب الاحتجاز غير القانوني، أو الاختفاء، فهم يعانون من صدمة الانفصال وفقدان الدعم في آن. كما يكون الأطفال معرضين لخسارة منافع التعليم والعناية الطبية المناسبة والخدمات الأخرى في الوقت الذي تكون فيها هذه الخدمات أساسية.
إن الملاحقة القضائية على الجرائم الدولية بشتى أنواعها لمختلف فئات المجتمع قد تحدث أثراً أكبر متى تمت متابعتها محلياً، ضمن المجتمع الذي ارتكبت فيه الجرائم. إلا أن المجتمعات الخارجة من نزاع معين أو التي تمر بمرحلة انتقالية، قد تفتقر إلى الإرادة السياسية لملاحقة هذه الجرائم، وقد تعجز الأنظمة القانونية أمام حالة مماثلة. كما أن ترك المشاكل السياسية دون حلول سيزيدها تعقيداً، ما يعني أن عبئاً جديداً ستحمله الدول التي تلجأ إلى القمع، بدلاً من بناء مجتمع متكاملٍ متساوٍ في الحقوق والعدالة.
ريم خليفة
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3606 - الأحد 22 يوليو 2012م الموافق 03 رمضان 1433هـ