وزير حقوق الإنسان... هل أصبحت قاضياً؟
هاني الفردان ... كاتب بحريني
hani.alfardan [at] alwasatnews.com
تصغير الخطتكبير الخط
لم أتفاجأ كثيراً وأنا أقرأ خبر استقبال وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي وفداً من البرلمان الأوروبي، فهذه الزيارة روتينية، في ظل سعي الوفد الأوروبي للوقوف على حقيقة أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، والوزير من المفترض أنه المسئول الأول عن «حقوق الإنسان» في البحرين.
الغريب في الخبر ما قاله الوزير للوفد رداً على استفساراتهم بشأن سحب الجنسية عن 31 مواطناً بحرينياً، إذ أكد أن ذلك كان بسبب تورطهم بـ «جرائم ترتبط بالإضرار بأمن الدولة». ووزير حقوق الإنسان بتصريحه هذا خالف المادة الدستورية التي تنص على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمات».
والسؤال الذي نطرحه على الوزير: هل بإمكانك أن تزوّدنا بصحيفة الأحكام الصادرة على من سحبت جنسياتهم، وإدانة القضاء لهم بـ «تورطهم بجرائم ترتبط بالإضرار بأمن الدولة»؟ ألا يتفق معنا الوزير على أنه لا عقوبة إلا بنص وبحكم قضائي؟ فأين الحكم القضائي على من سحبت جنسياتهم، أم أن هذه التهم لا تحتاج لحكم قضائي، ويمكن لأي وزير أو جهة أن تلصقها بأي مواطن، في ظلّ الحديث عن دولة المؤسسات والقانون؟
وزير شئون حقوق الإنسان أكد أن إسقاط جنسية 31 مواطناً إجراء استند إلى الدستور وقانون الجنسية البحرينية الذي يجيز إسقاطها عمن يتمتع بها إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة، واعتبره إجراءً قانونياً. بينما الدستور ينص في المادة (17) على أن «الجنسية البحرينية يحدّدها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون». إلا أن السؤال للوزير، من يحدّد حالة «الخيانة العظمى»؟ أليس القضاء وفقاً لنص دستوري واضح وضوح الشمس، وهو أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية (...)».
ألا يرى الوزير أن «الخيانة العظمى» و «الإضرار بأمن الدولة» تهم تتوجب إثبات البيِّنة ممن ادعى، وصدور حكم قضائي بعد استنفاد كل مراحل التقاضي وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان العالمية، فهل حدث ذلك سعادة الوزير؟
أما بخصوص قانون الجنسية فقد كان النص واضحاً أيضاً وضوح الشمس، إذ جاء في المادة (10) من قانون الجنسية (المعدل) للعام 1963؛ أنه «يجوز بأمر عظمة الحاكم إسقاط الجنسية البحرينية من كل من يتمتع بها في الحالات الآتية: إذا دخل الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية وبقي فيها على رغم الأمر الذي يصدر له من حكومة البحرين بتركها، أو إذا ساعد أو انخرط في خدمة دولة معادية، أو إذا تسبب في الإضرار بأمن الدولة». الواضح والصريح في عملية إسقاط الجنسية والتي رأى الوزير أنها جاءت وفقاً للقانون، تجاهلت الفقرة التي أعطت الحاكم هذه الخصوصية بشكل مطلق له، دون غيره، في إسقاط أو إعطاء الجنسية وبأمر منه.
وشرح القانون نفسه، في مواده الثامنة والتاسعة والعاشرة، سحب الجنسية، واشترط في كل حالة أن يتم سحب الجنسية أو فقدانها أو إسقاطها بأمر عظمة الحاكم نظراً إلى خطورة هذا الإجراء. ولم يفوّض القانون أي وزارة أو جهة عنه في ذلك، لأن القانون وكما جاء في النص «استشعر الخطورة في الموضوع ووضعها بيد الحاكم» فقط لا غيره، وهو ما يعني أن إجراء إسقاط الجنسية خالف أيضاً قانون الجنسية، وصلاحيات الملك، وصدر بقرار من وزارة الداخلية.
وزير شئون حقوق الإنسان رأى أن سحب الجنسية جاء «تماشياً مع التزام مملكة البحرين بالاتفاقيات الدولية»، من دون أن يوضح نقاط التلاقي بين القرار والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق العربي لحقوق الإنسان! فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (15) على أن «لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها»، وبالتالي فإن إسقاط الجنسية عمّن لا يملكون غيرها يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه البحرين فقد نصّ في المادة (14) على أنه «من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئاً إلى أن يثبت عليه الجرم قانوناً»، فكيف تماشت السلطة مع هذه المادة في قضية سحب الجنسية يا سعادة الوزير؟
في قانون رقم (7) لسنة 2006 بالتصديق على الميثاق العربي لحقوق الإنسان نصّت المادة (13) على أن «لكل شخص الحق في محاكمة عادلة تتوفر فيها ضمانات كافية وتجريها محكمة مختصة ومستقلة ونزيهة ومنشأة سابقاً بحكم القانون، وذلك في مواجهة أية تهمة جزائية توجه إليه أو للبت في حقوقه أو التزاماته».
سعادة الوزير، لكونك وزيراً لحقوق الإنسان، يفترض أن هذه النصوص ليست غريبة ولا جديدة عليك، فكيف تماشت السلطة معها في قضية سحب الجنسية؟ فهل يجوز تنفيذ العقوبة على المتهم، ومن ثم يُطلب منه اللجوء للقضاء؟ فهل انقلبت الآية في بلدنا، بلد القانون والفصل بين السلطات.
سعادة الوزير، لقد سبقت العقوبة التقاضي والإدانة!
هاني الفردان
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3761 - الإثنين 24 ديسمبر 2012م الموافق 10 صفر 1434هـ