عشرون عاماً على انطلاق الشبكة العنكبوتية
مستقبل الانترنت والصراع بين الحرية والرقابة الإلكترونيتين
اعداد: صباح جاسم
شبكة النبأ: منذ انشائها قبل عقدين، أحدثت الانترنت ثورة في الحياة اليومية للملايين عبر العالم غير ان الشبكة العنكبوتية في بدايتها، حسبما يرى مبتكروها الرئيسيون، ويرى هؤلاء الذين شاركو في مؤتمر "انترناشونال وورلد ويب" الثامن عشر، ان تحديات جديدة ظهرت في مجال الانترنت، من بينها إمكان الوصول الى الشبكة في دول العالم الثالث وتطوير تطبيقاته في قطاع الهواتف الخليوية فضلا عن احتمالات نموه الهائلة.
وفي اطار مشروع (تصوُّر حال الإنترنت عام 2020) نُشرت نتائج استطلاع شمل 740 خبيراً عالمياً في منظومة المعلومات والاتصالات، عن رؤيتهم لمستقبل شبكة الإنترنت من الآن ووصولاً الى العام 2020. ومن ابرز ما جاء في ذلك الاستطلاع، ان 77 في المئة من هؤلاء الخبراء اكدوا ان الإنترنت ماضية بثورتها، مستدلين على ذلك بأنها راكمت إنجازات هائلة بصورة يومية، خصوصاً منذ انفتاحها عالمياً في منتصف التسعينات من القرن العشرين.
وخلص الاســـتطلاع الى القول بأن ما يجـــري راهناً على الشبكة الإلكترونية العالمية من انتهاكات تحت ذرائع شتى، لا يوحي بأن هناك ثمة ميلاً واضحاً لتبني ســـياسة حيادية في إدارة الإنترنت، وأن لا اتجاه فعلياً لحسم الصراع المزمن بين الحرية والرقابة الإلكترونيتين، اضافة الى مسألة بقاء الإنترنت تحت الهيمنة الأميركية او تعريضها للانقسام والتعددية، علماً ان هذه المسائل كلها هي من المؤشرات البالغة الدلالة لتحديد هوية تلك الشبكة ومستقبلها.
ورأى احد مؤسسي الانترنت البريطاني تيم برنيرز لي خلال محاضرة تناولت آفاق الانترنت ان "الشبكة الالكترونية التي تصورتها لم تر النور بعد. والمستقبل سيكون اكثر ازدهارا".
واشار التقرير الذي نشره الشهر الماضي "الاتحاد الدولي للاتصالات" التابع للامم المتحدة، الى ان 23% فقط من سكان الارض يستخدمون الانترنت. ويتركز استخدام الشبكة في الدول المتطورة خصوصا، في حين يستخدمها اقل من 5% من الافارقة.
غير ان هذا الوضع بدأ يتغير في الدول النامية خصوصا حيث انطلقت خدمة الانترنت عبر الهاتف الخليوي، ولم يعد ضروريا المرور بحاسوب من اجل الابحار على الانترنت، على ما يقول الاميركي فاينتون سيرف وهو احد مؤسسي الشبكة الالكترونية. بحسب قرانس برس.
ويضيف سيرف وهو احد نواب رئيس غوغل ان "الانترنت الى ازدهار وذلك يعني عمليا ارتفاع عدد المستخدمين وتطور خدمة الوصول الى الشبكة من خلال الهاتف المحمول فضلا عن زيادة سرعتها في موازاة توسيع محتواها، ناهيك بتحسين التحكم بالادوات المنزلية من خلال الانترنت ايضا".
ورأى الى البلجيكي روبير كايليو الذي ابتكر الشبكة بالتعاون مع برنيرز لي في 1989 اي قبل عقدين، ان الزيادة المستقبلية في حجم المعلومات المتوافرة على الانترنت التي يصاحبها ارتفاع في عدد المستفيدين من خدماته، ستساعد على ايجاد حلول لمشكلات عالمية.
ويؤكد هذا العالم ان "تأمين المعلومات كلها على الانترنت سيشكل خطوة رائعة للانسانية من شأنها الاسهام في ايجاد الحلول لمشكلات كثيرة".
ويقول مهندسو الانترنت بفخر ان الشبكة العنكبوتية سمحت الى الساعة بتطوير انماط تجارية لم تكن لترى النور من دونها وتساهم في محو الامية والتعليم وتقرب بين الناس بفضل اساليب تواصل قليلة التكلفة.
ويقول سيرف انه لم يتوافر يوما للبشرية وعلى مر تاريخها، هذا الكم من المعلومات التي تصل بهذه السرعة والسهولة.
وكان برنيرز لي وكاييو وضعا الانترنت في الخدمة في 1989 بالتعاون مع باحثين آخرين من المركز الاوروبي لفيزياء الجزئيات (سيرن)، ليتاح لآلاف العلماء عبر العالم بتقاسم معلوماتهم.
وقد عرفت تقنية "وورلد وايد ويب" (دبليو دبليو دبلوي) التي تسهل البحث عن المعلومات على الشبكة، نجاحا لافتا عندما قرر المركز مطلع التسعينات من القرن الماضي عدم تقاضي عائدات على حقوق المؤلف.
ويقول دايل دوفيرتي، مؤسس "غلوبال نيتورك نافيغاتور" اول بوابة على شبكة الانترنت في التاريخ واول موقع الكتروني يتضمن اعلانات "لم نخطط حينها لشبكة اشخاص وانما لشبكة وثائق".وبعد ذلك ازداد عدد مواقع الانترنت على نحو متسارع ليبلغ حاليا ثمانين مليونا، في حين كان بالكاد 500 في العام 1994.
المسنّون هم مستقبل الانترنت
أمّنَ الجيل الشاب نجاح شبكة الانترنت في بداياتها، غير ان دور المسنّين في تطويرها الى تعاظم، على ما قال خبراء خلال المؤتمر الدولي الذي جرى في مدريد.
واشارت الاستاذة في جامعة داندي الاسكتلندية فيكي هانسون الى ان "المسنّين هم اكثر الفئات التي تشهد تزايدا على صعيد استخدام الانترنت".واستندت هذه الاستاذة الجامعية الى دراسة "بيو انترنت اميركان لايف بروجيكت" الاميركية لتشير الى ان نسبة 45% من الاميركيين الذين تراوح اعمارهم بين السبعين والخامسة والسبعين استخدمت الشبكة العنكبوتية خلال العام الماضي، في مقابل 26% فحسب، قبل ثلاث سنوات.
واضافت هانسون خلال المؤتمر الثامن عشر الدولي "وورلد وايد ويب" الذي استضافته مدريد، ان نسبة مستخدمي الانترنت من بين الاشخاص الذين بلغوا السادسة والسبعين،ارتفعت من 17% في العام 2005 الى 27% في العام 2008.
وقال الباحث اندرو ارتش، وهو احد المسؤولين في "وورلد وايد ويب كونسورسيوم" وهي ابرز المنظمات الدولية لتنميط القياس على الانترنت،الى ميل مماثل في اوساط المتقدمين في السن، في بريطانيا ايضا.
واضاف ارتش المتخصص في تمكين المسنين والمعوقين من الوصول الى الانترنت ان هذه الفئة تستخدم الانترنت كما يفعل الجميع وللاغراض عينها. تستعمله للتواصل واكثر فاكثر للحصول على المعلومات، وشراء المقتنيات وادارة الحساب المصرفي الشخصي. بحسب فرانس برس.
وبحسب دراسة "بيو" الاميركية ايضا، يبقى نشاط ارسال واستقبال البريد الالكتروني الاكثر انتشارا بين مستخدمي الانترنت الذين بلغوا او تخطوا الرابعة الستين.
غير انه يتضح واستنادا الى الدراسة نفسها، ان المسنين هم اقل حماسة من الشباب للتسوق عبر الانترنت، في حين لا تزال نسبة المسنين الذين يستخدمون مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الشبكة الافتراضية، منخفضة جدا.
وخلصت هانسن الى القول ان "تويتر ليس مكانهم المفضل"، في اشارة الى موقع المدونات المصغرة الذي يستخدمه اكثر من ستة ملايين شخص.
ويسمح تويتر (ويعني الزقزقة) لمستخدميه بان يرسلوا الى معارفهم، ومن دون مقابل، رسائل قصيرة لا تزيد على 140 حرفا. وهو شهد رواجا كبيرا منذ ابتكاره في اب/اغسطس 2006، وصار رويدا، اداة تواصل يستسيغها النجوم.
ومن المرتقب ان ترتفع نسبة الاشخاص الذين تخطوا الستين في السنوات المقبلة لتصل في العام 2050 الى 20% من سكان العالم. ويتوقع ان يرفع سن التقاعد، وهذا ما يدفع بالخبراءالى توقع فورة حقيقية في نسبة مستخدمي الانترنت من المسنين.
غير ان المشاكل الجسدية التي يعانيها المتقدمون في السن، ومن بينها قصر النظر، والتهاب المفاصل ومشاكل التحكم بالحركة، من شأنها ان تشكل عائقا امام استخدامهم للشبكة الافتراضية.
ورأى ارتش ان المواقع الالكترونية يمكنها بكلفة محدودة، ان تتكيف اكثر مع حاجات المسنين، من خلال العمل مثلا على تكبير الحروف وعلى التركيز على الفوارق اللونية.
واوضح شرح ان "مصمم الانترنت التقليدي لا يعي الى اي حد، العالم يشيخ" واضاف ان التعديلات التي يقترحها على مسؤولي مواقع الانترنت تجعل الوصول الى المواقع الالكترونية في نهاية المطاف، اكثر سهولة بالنسبة الى المستخدمين كافة.
في استطلاع دولي.. اتساع الفجوة الرقمية وانهيار الملكية الفكرية
وفي اطار مشروع «تصور حال الإنترنت عام 2020» نشرت أخيراً شركة «بيي إنترنت» PEW Internet ومؤسسة «أميركان لايف بروجكت» American Life Project بالتعاون مع جامعة «إيلون» الاميركية، تقريراً عن نتائج استطلاع شمل 740 خبيراً عالمياً في منظومة المعلومات والاتصالات، عن رؤيتهم لمستقبل شبكة الإنترنت من الآن ووصولاً الى العام 2020. وضم الاستطلاع أراء لأساتذة جامعيين ولاقتصايين ولرجال اعمال ولموظفين حكوميين.
ومن ابرز ما جاء في ذلك الاستطلاع، ان 77 في المئة من هؤلاء الخبراء اكدوا ان الإنترنت ماضية بثورتها، مستدلين على ذلك بأنها راكمت إنجازات هائلة بصورة يومية، خصوصاً منذ انفتاحها عالمياً في منتصف التسعينات من القرن العشرين.
وأجمعوا على القول ان الشبكة العنكبوتية تعيش عصرها الذهبي وتتربع على عرشه الإلكتروني بلا منازع. ورجحوا ان تستمر الشبكة الدولية للكومبيوتر على تلك المكانة المميزة التي تسنمتها في انطلاقة عصر المعلومات، إذ برهنت على أنها الوسيلة التي أحدثت ثورة غير مسبوقة في نشر المعرفة وتعميمها، وشكلت الوسيلة الأسرع في الاتصال الجماهيري المباشر من بعد، إضافة إلى قدرتها على إداء دور منصة الاتصال المفتوحة بين الاختصاصيين في مختلف المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. كما أنها دفعت الى الوجود عالماً جديداً له أبعاد هائلة: الفضاء الافتراضي، الذي بلغّ عدد رواده قرابة بليون ونصف البليون. وبرزت عبقرية الإنترنت في قدرتها على توفير تلك الأمور كلها، ضمن تكلفة متدنية نسبياً.
كما لم يبد غريباً أن يعرب 64 في المئة ممن شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم بأن حقوق الملكية الفكرية ستتعرض للمزيد من الانتهاكات التي ستحظى بقبول اجتماعي وعلمي متزايد، بدفع من الظمأ الشديد للمعرفة والترفيه والتواصل على الشبكة الإلكترونية، مهما بالغت الدول في سن التشريعات والقوانين الهادفة الى حمايتها. ومال 82 في المئة للقول ان اللغة الإنكليزية ستحتفظ بهيمنتها الكبيرة على شبكة الإنترنت، معربين عن قناعتهم بأن إعادة نوع من التوازان بينها وبين اللغات الصاعدة أمر شبه مستحيل، ضمن المدى الزمني الذي حدده الاستطلاع.
وكذلك أبدى 59 في المئة تشاؤمهم حيال استمرار عمليات المراقبة على الإنترنت التي تمارسها بعض الشركات العملاقة ومجموعة من الحكومات في الأنظمة الديموقراطية والدكتاتورية على حدّ سواء، التي تُبرّر غالباً بذرائع شتى تشمل السياسة والاجتماع والأخلاق والدين وغيرها.
وعلى رغم هذه العوائق، يلفت هؤلاء الخبراء الى ان مواقع الشبكات الاجتماعية، مثل «فايسبوك» Face Book و«تويتر» Twitter و«ماي سبايس» MySpace ستحظى بأولوية مطلقة وإقبال كثيف من مختلف الشرائح العمرية قياساً الى غيرها من الشبكات الأخرى، مستندين في ذلك الى التكاثر الانفجاري في عدد مستخدميها، إضافة الى تأثيرها المتصاعد في الرأي العام عالمياً، كما ظهر في الحملتين الانتخابيتين الرئاسيتين في فرنسا والولايات المتحدة، والتمرد في التيبت، وموجة «أنفلونزا الخنازير» والأزمة الجيورجية وغيرها.
ورأى 58 في المئة أن فئات من الناس ستبقى خارج فضاء الإنترنت والحداثة الإلكترونية، خصوصاً في دول العالم الثالث، ما سيساهم في اتساع «الفجوة الرقمية» Digital Divide بين الشمال والجنوب وتضاؤل فرص المساواة في الوصول الى الشبكة العالمية ضمن المجتمعات والشعوب أيضاً. ولاحظ 63 في المئة ان القرية الكونية ستشهد آجلاً او عاجلاً ترسيماً جديداً لحدودها الافتراضية نتيجة صعود مجموعة من الدول المتنامية النفوذ حديثاً كالصين والهند والبرازيل، وانضمامها لنادي المسيطرين على الفضاء الإلكتروني العالمي. ويأتي في سياق ذلك الصعود، ميل تلك الدول لإنشاء شبكات قومية، وكسر احتكار المؤسسات العملاقة في الدول الصناعية على المعلومات لا سيما «هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام» الأميركية المعروفة باسم «أيكان» ICANN التي تشرف عليها الحكومة الأميركية بصورة كاملة. والمعلوم أن سيطرة «ايكان» على «أسماء النطاق» Domain Name في الإنترنت شكلت محوراً للكثير من النقاشات في «قمة مجتمع المعلوماتية» التي عقدت على مرحلتين في جنيف وتونس، قبل بضع سنوات.
من خلال اجوبة المستطلعين، وهم من اهل البيت الإلكتروني ومن بين الأكثر خبرة بأسرار الإنترنت وتقنياتها وعيوبها وحسناتها، تظهر نزعة تفاؤلية حيال مستقبل الإنترنت اقله على المدى المنظور سواء لجهة تزايد الإقبال عليها كمصدر اساسي للمعلومات ام كمنبر للتواصل بين جمهورها العالمي على تعدد اثنياته وتنوع ثقافاته ام لجهة ادخال المزيد من التحسينات التقنية والتكنولوجية على الشبكة الرقمية الدولية.
وعلى رغم ذلك، لم تخـــل تلك الأجوبة من تحفظات متنوّعة وتســاؤلات جوهرية تمحورت غالبيتها حول ما اذا كانت الإنترنت مساحة مفتوحة للجميع او انها لا تزال خاضعة لهيمنة الدول الكبرى واحتكار الشركات العالمية العابرة للقارات. كما أبدى هؤلاء الخبراء خشيتهم وقلقلهم حول جدلية العلاقة المأزومة بين حرية الإنترنت والرقابة عليها، والتي تبدو كمسألة عصية على الحسم، إذ تتحكم بها اعتبارات ومصالح اقتصادية وايديولوجية دولية متناقضة تفضي في نهاية الأمر الى التضييق على حرية التعبير الإلكتروني وانتهاك الخصوصيات الفردية والجماعية، والحد من الابتكار والتجدد. وكذلك تناقضت آرؤاهم حول التجاوزات على الملكية الفكرية والميل الى «تعميم» النشاطات الثقافية والفنــية من خــلال تداولها بكثافة العالم الافتراضي.
وبين خبراء الإنترنت، هنالك من يرى ان الإنترنت تحمل في طياتها الشيء ونقيضه. فالعوامل التي ادت الى نجاحها وشيوعها هي ايضاً نفسها التي ستؤدي الى ضعفها. وجاءت تلك الكلمات على لسان جوناتان زيتران مؤلف كتاب «مستقبل الإنترنت» وهو احد الذين شاركوا في الاستطلاع.
وأشار زيتران الى انه «سواء اتسعت مساحة التعبير على الإنترنت ام ضاقت، وسواء انفتحت على البرمجيات الحرة المفتوحة المصدر Open Source ام اشتد الخناق عليها، ففي الحالين تتعرض الإنترنت لردود فعل ترواح بين التأييد والرفض والاستجابة والممناعة... إن هذا الأمر يطرح اشكالية حياد الإنترنت وضرورة مناقشتها بجدية ووضوح في المؤتمرات الدولية لوضع الخطوط الفاصلة بين المسموح والممنوع والغث والسمين والحرية والقمع وضبط الحراك بين نشر الوعي العام والمخاطر المحدقة بالإنترنت وحرياتها».
وخلص الاســـتطلاع الى القول بأن ما يجـــري راهناً على الشبكة الإلكترونية العالمية من انتهاكات تحت ذرائع شتى، لا يوحي بأن هناك ثمة ميلاً واضحاً لتبني ســـياسة حيادية في إدارة الإنترنت، وأن لا اتجاه فعلياً لحسم الصراع المزمن بين الحرية والرقابة الإلكترونيتين، اضافة الى مسألة بقاء الإنترنت تحت الهيمنة الأميركية او تعريضها للانقسام والتعددية، علماً ان هذه المسائل كلها هي من المؤشرات البالغة الدلالة لتحديد هوية تلك الشبكة ومستقبلها.
شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 24/آيار/2009 - 26/جمادى الآولى/1430