شهادةٌ في محراب الصلاة
« بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزتُ وربِّ الكعبة»، أولى كلمات الإمام (ع) عندما ضُرِب بالسيف على رأسه الشريف وهو في محراب صلاته، فكان بعدها كل شيءٍ حزين من أهل السماء إلى أهل الأرض وغرقت الدنيا بالحزن والبكاء والكل سمع صوت المنادي: «تهدّمت والله أركان الهدى، قتل علي المرتضى»، وعلى رغم كل الحزن الذي أصاب أهل وأصحاب الإمام (ع) إلا أننا نجد ومن خلال كلمات الإمام (ع) وعبارته المشهورة: «فزتُ وربِّ الكعبة» إنه حصل على الذي كان ينتظره بل وحقق الفوز والسعادة، والإمام (ع) كان يترقب أن يأتي هذا الشقيّ ويفعل فعلته وحتى إنه كان يقول (ع): «متى يكون إذا خضّبت هذه من هذه؟»، وفي رواية عن الرسول (ص) في يوم الخندق وعندما برز الإمام علي (ع) لعمرو بن عبد ود وقاتله وقتله، جُرِح الإمام (ع) في تلك المبارزة في جبهته وسال منها الدم، ولما رآه الرسول (ص) على تلك الحالة رقّ له قلبه ومسح بمنديله الدم عن جبهته وأمر بتضميد جرحه، ثم اغرورقت عيناه بالدموع وقال: «أين أكون إذا خُضّبت هذه من هذه؟» في إشارة إلى اليوم الذي تُخضّب فيه محاسنه الشريفة بدماء رأسه.
إذاً الإمام (ع) كان على علم بما سيقع وحتى الأقربون منه كانوا على علم، ولكن الصدمة كانت في فقدانهم الرجل الوحيد الذي كان يهتم بالمحتاجين والفقراء واليتامى ويقدم لهم ما يحتاجونه، ربما الكل كان يحب خدمة الآخرين ولكن كالإمام (ع) لا يوجد أي نظير في أفعاله وتعاملاته مع الآخرين، هو ذاك الخليفة والإمام وتلميذ رسول الله (ص) الذي يساعد أرملة ويوقد لها التنور ويخبز لها الخبز ويطعم أطفالها بيده الشريفة، ولأجل أن يدخل الفرحة والسرور إلى قلوب هؤلاء الأطفال البائسين كان يلعب معهم وينحني ويحملهم على ظهره ويمشي بهم ويداعبهم، وفي نهاية المطاف وبكل هذه الرأفة والحنان والرقة في شخصية هذا الإمام (ع) جعلت إحدى كبرى شخصيات ذاك الزمان يقول: «طالما رأيت أمير المؤمنين (ع) يطعم اليتامى العسل بأصبعه حتى لوددت أن أكون يتيماً»، فكان يتألم لصرخة محتاج أو يتيم و لكن عندما أحس الإمام (ع) بالضربة لم يتأوّه ولم يتألّم والضربة تشق جبهته المباركة وهو في محراب الصلاة، وبعدها شد رأسه بمئزره والدم يجري على وجهه ولحيته وقد خضّبت بدمائه وكان يقول (ع): «هذا ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله «فلقد تحقق وعدهما، ورحل عن هذه الدنيا الفانية في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك وفقدنا بذلك النموذج الأفضل بعد الرسول (ص) للحاكم العادل التقي الورع، ومن ذاك الزمن وإلى الآن ونحن فاقدون لمثل هذا النموذج.
السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا إمام المتَّقين.
حسين علي عاشور