شراع
تركيا ـ أردوغان وسفن السلاح العابرة
وسط صخب الفوضى العارمة والإرهاب الضارب أطنابه والمستشري في أوصال الدول العربية المصنفة غربيًّا بدول ما يسمى "الربيع العربي"، لم يلتفت إعلام تلك الدول الرسمي والخاص والموجَّه والموالي والمعارض والعميل إلى أن سواحل هذه الدول غدت محطات استقبال لسفن تركية محملة بشحنات كبيرة من مختلف أنواع الأسلحة.
ربما لا يحتاج المرء إلى عناء تفكير ليعرف الجهة المرسل إليها هذه الأسلحة، وذلك بحكم العلاقة القائمة ذات الجذور التاريخية.
فلم يقف الإعلام عند قيام السلطات اليمنية مؤخرًا بمصادرة سفينة تركية محملة بكميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة مقابل، وحسب السلطات اليمنية فإن طاقم السفينة مكون من ثمانية بحارة يحملون الجنسية التركية، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن السفن التركية عادت لممارسة مهامها التخريبية من خلال نقل شحنات الأسلحة المهربة. ونقلت مواقع إخبارية يمنية تحذير الخبير اليمني في شؤون الأمن الساحلي علي القرشي من عودة تدفق عمليات التهريب للأسلحة من تركيا التي تسعى إلى تحويل اليمن إلى نقطة عبور لتلك الأسلحة لا سيما بعد الأحداث التي شهدتها مصر وعزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، منبهًا (القرشي) من محاولات تركيا تكثيف عمليات شحن الأسلحة إلى اليمن ومن ثم تهريبها مرة أخرى إلى السودان ومنها إلى مصر لزعزعة الاستقرار فيها، كما فعلت في سوريا.
وفي خبر آخر تجاهلته وسائل الإعلام المذكورة آنفًا، ضبطت السلطات المصرية سفينة محملة بشحنة من الأسلحة الصوتية القابلة للتعديل في ميناء بور سعيد، وحسب المصادر الأمنية فإنها تلقت معلومات سرية تفيد بوصول شحنة أسلحة على متن السفن التجارية القادمة من تركيا لحساب شركة استيراد وتصدير.
إن هذه التطورات اللافتة والخطيرة تثير علامات استفهام ما إذا كانت سفن الأسلحة هذه بعلم حكومة رجب طيب أردوغان وبموافقة وبوازع منها؟ أم لا؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فمن أين جاءت هذه الأسلحة؟ وكيف دخلت تركيا؟ وأين الأمن التركي عنها؟
وفي تقديري، وبغض النظر عن ما إذا كانت هذه الأسلحة المشحونة إلى الدول العربية التي يتم زعزعة استقرارها، بعلم السلطات التركية أم لا، فإن الدور التركي فيما يخص الأزمة السورية والوضع الراهن في مصر ليس خافيًا على أحد، فالتدخل التركي في الشأن الداخلي السوري مكشوف ومعروف للجميع، من حيث احتضان العصابات الإرهابية والمرتزقة وإقامة معسكرات تدريب خاصة بها، وفتح الموانئ والمطارات للسفن والطائرات المحملة بالأسلحة القادمة من كرواتيا ودول أوروبية أخرى والولايات المتحدة التي حصلت على الضوء الأخضر من الكونجرس لشحن الأسلحة الفتاكة إلى ما تسمى "جبهة النصرة" و"دولة العراق والشام الإسلامية" وميليشيا ما يسمى "الجيش الحر"، وبقية مشتقات تنظيم القاعدة الإرهابي، وهي شحنات ممولة بمال عربي "عميل"، وكذلك فتح الحدود التركية أمام هذه العصابات الإرهابية والتكفيرية لتعيث في الأرض السورية فسادًا وقتلًا وترويعًا وتدميرًا.
وحسب السلطات السورية، فإن حادثة خان العسل في ريف حلب واستخدام العصابات الإرهابية غاز السارين ضد المدنيين والعسكريين في القرية، كان بتدبير تركي، فالحكومة التركية هي التي زودت تلك العصابات بالمواد الكيماوية وأدوات تركيبها وإطلاقها. ولعل ما يؤكد هذه الرواية هو التطور اللافت في خان العسل هذه الأيام وارتكاب الإرهابيين مجزرة جديدة راح ضحيتها أكثر من خمسين مدنيًّا وجنديًّا سوريًّا أعدموا إعدامات ميدانية، بالتزامن مع وصول وفد من الأمم المتحدة مختص في الأسلحة الكيماوية إلى دمشق. وواضح أن التعليمات إلى الأدوات والعصابات الإرهابية كانت تقتضي السيطرة على خان العسل بأي ثمن كان، وحسب الأنباء الواردة من سوريا فإن حوالي ثلاثة آلاف إرهابي ومرتزق هجموا على الجنود السوريين المكلفين بتأمين القرية، وإعدام أي مدني شاهد على حادثة قتل الجنود ومحو آثار استخدام السلاح الكيماوي. ومبعث المجزرة الجديدة أيضًا هو الخشية من التحرك الروسي بالمطالبة بلجنة تحقيق دولية بالمقارنة بين المواد الكيماوية التي ضبطتها الشرطة التركية مؤخرًا بحوزة العصابات الإرهابية في تركيا، وبين ما هو موجود في المخازن التركية، خاصة إذا ما ثبت استخدامها في خان العسل.
أما بالنسبة للتدخل التركي في الشأن الداخلي فأيضًا هو مكشوف ومعروف للجميع، وليس أدل عليه من دعم طرف ضد طرف آخر، حتى أن أردوغان أعلن أنه رفض الحديث مع الدكتور محمد البرادعي نائب الرئيس المصري للعلاقات الدولية، وذلك لعدم اعترافه بما يجري في مصر، معتبرًا أنه انقلاب عسكري وليس إرادة شعبية في التغيير.
إن ما يهدد المنطقة برمتها اليوم هو تحالف بعض القوى الدولية مع الإرهاب وأدواته، ونشر السلاح في ربوع المنطقة بسواحلها وبرها وجوها، نتيجة مباشرة لهذا التحالف، ولذلك ليس مدهشًا أن فوضى السلاح في تونس واستهداف الجنود واغتيال المعارضين التونسيين، والحال كذلك في ليبيا ومصر وسوريا واليمن والحبل على الجرار، وبالتالي يفترض هذا التطور ميدانًا للإعلام وفضح رموزه وأدواته وأهدافه.
خميس بن حبيب التوبي