أسئلة هادئة في أجواء متوترة
الوضع الأمني في بلادنا تغير جذرياً منذ بداية رمضان هذا العام، ولعل ماحصل يعتبره البعض مواجهة كانت مؤجلة مع الفئات التي لا تؤمن بالنظام السياسي، ولكن هذا الطرح المبسط لايجيب على تساؤلات مشروعة تحتاج إلى النظرة الموضوعية في معالجة ما يجري. ويأتي قرار النيابة العامة بمنع الصحافة من التطرق إلى قضية اعتقال عدد من المواطنين، في الوقت الذي تستمر الجهات الرسمية في حملة إعلامية موجهة، مما يعني أن التأثير على القضاء يحصل حالياً ولكن في اتجاه واحد.
بداية، فإن الخطاب المعارض «المتطرف» الذي لا يؤمن بالعملية السياسية ليس جديداً، وإن ما ساعدت على تقويته أمور عديدة، من بينها إخفاقات على الأرض لم تعالج، وأيضاً ساعده كثيراً إفساح المجال لخطاب «متطرف» في الاتجاه المعاكس، بل ورعايته بصورة شبه رسمية، مما أدى إلى تغذية اللغة المتطرفة من مختلف الجوانب. هذا السؤال سيبقى بحاجة إلى جواب عقلاني وموضوعي، ولا يمكن إسكاته من خلال حملات إرعابية للرأي الآخر الذي يؤمن بالعملية السياسية ويؤمن بشرعية النظام السياسي ولكن يختلف مع الخطابين المتطرفين (المعارض للنظام وذلك الذي يقول إنه مؤيد للنظام).
سؤال آخر يطرح نفسه بشكل واضح وجلي، وهو مدى إمكانية أن يسود القانون ليس في إخماد الحرائق والتخريب فقط، وإنما أيضاً في منع التجاوزات التي تواترت التقارير عنها بشكل جاد، وهي تحتاج إلى تنفيذ حكم القانون البحريني الذي يجرّمها، وتتطلب اتباع المؤسسات التي أنشئت على الأقل، من بينها تفعيل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي يتوجب عليها أن تحقق في التقارير المتوافرة حالياً، ولايمكنها أن تتعذر أنه لم يتقدم أي شخص مسجون (لايمكن أحد الالتقاء به) أو طليق ولكنه يخشى أن يصيبه المزيد، بأي شكوى... فمن هو في حال يرثى لها لايمكنه أن يصل إلى المؤسسة، ولكن المؤسسة تعرف مايجري ويقع عليها واجب إنساني ووطني أن تتدخل لدى الأجهزة الأمنية والنيابة العامة وغيرها للوقوف على الأمر الذي لم يعد خافياً على أحد.
هناك سؤال عن علاقة مايجري بالانتخابات، لاسيما في ظل الظروف الحالية، ولاسيما أن عرض كشوف الناخبين بالطريقة الحالية يحتاج إلى الكثير من الجهد لمعرفة الصورة، وهناك الكثير من القضايا التي تحتاج إلى معالجة شفافة، ولعل الأجواء الأمنية وأجواء رمضان لاتساعد في كل ذلك، وبالتالي، فإن المسيرة السياسية قد تتضرر بصورة مباشرة في ظل الأجواء الأمنية المتوترة.
هناك أيضاً خشية من أن المصفقين والمنتفعين شخصياً يزدادون في هذه الفترة، ربما بعضهم عن قناعة، وربما لأن الموجة سانحة لبعضهم للإنتفاع الآن، ولكن في المحصلة، فإن عقلاء القوم من مختلف الجهات التي تؤمن بشرعية النظام السياسي قد يجدون أن الأفضل الابتعاد وترك الساحة لرأي واحد، وتبعات هذا ستكون سلبية على صناعة القرار على المديين القريب والبعيد. إن الحكمة مطلوبة سواءً كانت الأوضاع هادئة أو متوترة، ولعلها مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، والمخلص هو من يقدم رأيه باحترام، معززاً بذلك كرامة وأمن الإنسان وسيادة النظام.
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2913 - السبت 28 أغسطس 2010م الموافق 18 رمضان 1431هـ