تطويق الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان
بعد يومين من استقالة رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سلمان كمال الدين، أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية تجميد الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وذلك بتعيين مدير مؤقت.
الوزارة في خطوتها الأخيرة قطعت شعرة معاوية في تعاملها مع الجمعية، التي سبق أن طلبت الاجتماع بالوزارة قبل عدة أيام. وفيما كانت تنتظر الجواب وصلها خطاب «الإقالة» عبر الفاكس!
مثل هذا القرار كان يحتاج إلى حيثيات يقتنع بها الرأي العام، ولذلك ساقت الوزارة عدة مبررات، لو طُبّقت بحذافيرها على بقية الجمعيات لتوجب إغلاق ثلاثة أرباعها، وتعيين مديرين مؤقتين من موظّفي الوزارة للربع الباقي!
لنرجع إلى الخلف قليلاً، فالجمعية كانت من المؤسسات التي بادر المجتمع المدني بإفرازها في فترة الانفراج السياسي، بعد ثلاثة عقود من هيمنة قانون أمن الدولة. وكان من الطبيعي أن تتصدّى لهذه المهمة الحقوقية الكوادر التي تمرست بالعمل السياسي ما بين السبعينيات والتسعينيات. الاكتواء بالسياسة هو العامل الحاسم في الموضوع الحقوقي، فكثيرٌ من هؤلاء ممن تعرّضوا هم أو رفاقهم لتجارب السجن والنفي. بالمقابل كان تحصيل حاصل عدم اهتمام التيارات الدينية الدعوية التي اقتحمت أو أُقحمت في السياسة لاحقاً، بالملف الحقوقي، فهؤلاء كانوا بعيدين عن السياسة وأهوالها، وإنّما عاقروها على كبرٍ وفي زمن البحبوحة ورغد العيش.
الجمعية البحرينية تبنت الكثير من الملفات الحقوقية، وطرحت عدة مبادرات على مدار السنوات السابقة، كان من شأنها تطييب الخواطر وجبر الضرر، لكن دعواتها لم تلق تجاوباً. وقبل ثلاثة أعوام عقدت منتدى دعت فيه للعدالة الانتقالية، استرشاداً بتجارب الكثير من الدول، من بينها المغرب وجنوب إفريقيا... ولكنها لم تلق غير الصدود.
في العامين الأخيرين، اهتمت الجمعية بإصدار تقرير سنوي لمتابعة حقوق الإنسان في البحرين، على درجةٍ كبيرةٍ من الدقة والمهنية والحياد. وطوال هذه السنوات لم تقطع الجمعية تواصلها مع الجهات الرسمية، وبالذات وزارة الداخلية، الجهة المعنية بضبط الأمن ومراعاة حقوق الإنسان وحسن معاملة المعتقلين والسجناء.
أداء الجمعية لم يكن مرضياً عنه إلى درجةٍ كبيرة، وخلال العامين الماضيين، تعرضت لانتقاداتٍ متواصلةٍ من جهات لا تخفي توجهها الحكومي. وفي بعض المواسم أو الأحداث، تتحوّل إلى حملاتٍ مبرمجةٍ ومركّزةٍ من عدة محاور، للتشكيك في توجهات الجمعية المستقلة وزحزحتها عن مواقفها.
الجمعية بهذه الخلفية التاريخية، وإلى جانب الضغوط الرسمية، كانت تتعرض أيضاً إلى ضغط الشارع والأحداث، ففي كل حدثٍ أمني كان مطلوباً منها أن تبقى على الحياد المطلق، وكأنها تعيش في المريخ الخالي من السكان والشرطة والاعتصامات ومسيلات الدموع. واستطاعت الحفاظ على توازنها إلى حد كبير، في كثير من الفترات العاصفة، فليس هناك منظماتٌ حقوقيةٌ أهليةٌ في العالم تنحاز إلى جانب الحكومات. فهذا هو ضد طبيعة العمل الحقوقي والدفاع عن حقوق الفرد أمام تغوّل الدولة وأجهزتها.
في كل دول العالم، ليس المطلوب من المنظمات الحقوقية الدفاع عن سياسات الدول. وحتى حينما حاولت بعض الدول التي تخرق حقوق الإنسان خلق منظمات بديلة لمناكفة المنظمات الحقيقية والتشويش على عملها، تم تصنيفها عالمياً باسم «الغونغو»، وهي مؤسساتٌ مكشوفةٌ تدفع لها الدول من أجل تحقيق أجندتها وليس للدفاع عن حقوق الإنسان.
قرار وزارة التنمية الاجتماعية يراه البعض تصفية حساب تراكم منذ أعوام وحان وقت السداد؛ ويراه بعض آخر تأديباً على مواقف أخيرة؛ بينما ينظر إليها طرف ثالث على أنه استهلال لمرحلة جديدة يغيب فيها صوت المجتمع المستقل، على أن يتم إغراق الجمعية من الداخل بفتح الباب لاندساس من هبّ ودب، ممن لا علاقة له بسياسة ولا خلفية حقوقية ولا دفاع عن حقوق إنسان.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2925 - الخميس 09 سبتمبر 2010م الموافق 30 رمضان 1431