مؤتمر صحافي في وزارة الصحة
قاسم حسين
قاسم حسين ... كاتب بحريني
Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com
في بادرةٍ ايجابيةٍ وغير مسبوقة، نظّمت وزارة الصحة ظهر أمس (الاثنين) مؤتمراً صحافياً حضره وزير الصحة، والوكيل المساعد لشئون المستشفيات، والرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، والمستشار القانوني بالوزارة، إضافةً إلى مدير إدارة العلاقات العامة والدولية.
المؤتمر الصحافي دار حول التحقيق في وفاة طفلة بحرينية في ربيعها الثاني عشر، نشرت الصحف الأسبوع الماضي خبر موتها المأساوي نتيجة خطأ طبي، وأبرزه بعضها كمانشيتات لأكثر من ثلاثة أيام، وتم تناول هذه الحادثة المؤلمة في عشرات المقالات.
المؤتمر هدف إلى «تسليط الضوء على تداعيات وملابسات وفاة الطفلة رحمها الله، وإطلاع الرأي العام ووسائل الإعلام المختلفة على آخر التطورات في هذه القضية الإنسانية»، كما جاء في نص الخبر الذي وزعته وزارة الصحة على وسائل الإعلام.
سعادة الوزير قال بأن «وزارة الصحة كعادتها تعاملت وسوف تتعامل بكل شفافية ووضوح مع نتائج التحقيق، وسيتم الإعلان عنها للرأي العام متضمناً تفاصيل القضية دون التستر على أي مخطئ أو مقصر، ومن حق الرأي العام أن يعرف نتائج التحقيق وما توصلت إليه اللجان في الوزارة وخارجها». وهو أمرٌ نؤيد الوزير فيه تماماً، فمن حق الرأي العام أن يعرف نتائج التحقيقات، ليطمئن إلى سلامة الإجراءات بما يحفظ حقّه في العلاج والحفاظ على الحياة.
الروح الإنسانية مقدّسة، ودماء وحياة البحرينيين سواء، ولا ينبغي أن تصبح مادةً للتلاعبات والمزايدات السياسية، واستغلال الحوادث الفردية لتمزيق الصف الاجتماعي وزيادة الشرخ الطائفي في بلدٍ يعاني من أزمة سياسية متفاقمة. ويعلم الجميع أن هذه الحادثة سبقتها عشرات الحوادث المؤسفة، دون أن تثور الزوابع، أو تشكّل لجان تحقيق، أو تفكّر الوزارة بإطلاع الرأي العام على نتائجها.
إن معالجة الوزارة لهذه الواقعة، وبهذه الطريقة، لن يغيّر من الحقائق الموجودة على الأرض، وما تعانيه وزارة الصحة من تدهور في خدماتها وتراجع في الأداء. وهذا ليس سراً، فقد كُتب عن ذلك مئات المقالات، وناقشه النواب في عشرات الجلسات منذ سنوات.
إذا أردتم معالجة الموضوع فابحثوا عن الأسباب من الجذور، أما طريقة معالجتكم الحالية فهي هروبٌ من مواجهة الحقيقة. فقبل سنوات كانت البحرين مرشّحةً لتكون مركز جذب للسياحة الصحية، بفضل ما تمتعت به الكوادر الطبية البحرينية من سمعة وكفاءة وخبرة في محيطنا الخليجي. وما عملته السياسة في العامين الأخيرين هو تحطيم هذا الانجاز بدوافع سياسية بحتة، فسيقت مجموعةٌ من خيرة الأطباء إلى المحاكمة، وتولّت وسائل الإعلام غير النزيهة تشويه سمعتهم، فسجن بعضهم وأخرج بعضهم الآخر من الخدمة، دون اكتراث لخطورة تفريغ المجمع الطبي الرئيسي من الخبرات. والأخطر من ذلك نشر القصص الكاذبة عن امتناع الأطباء عن معالجة المرضى بسبب انتماءاتهم، والمشكلة أن هناك من ابتلع هذا الطعم وصدّق الأكاذيب، وأخذ يبني عليها مواقفه.
مشكلتنا أن كل شيء يُعطى تفسيراً طائفياً، حتى الحوادث العارضة، ولابد من تصحيح هذا المسار المنحرف في التفكير والتفسير، وأن يكون دليلنا هو احترام النفس البشرية، ومبدأ حرمة الحياة. فالوزارة التي يتوفى في أروقتها 36 مواطناً سنوياً بسبب مرض السكلر، لم تفكّر بعقد مؤتمر صحافي لتسليط الضوء على أية حالة وفاة بالسكلر، ولم تكترث بتشكيل لجنة تحقيق، أو تطلع ذوي الضحايا على نتائج التحقيقات بكل شفافية.
إذا كان المرض مستوطناً في تلافيف وزارة الصحة... فأين ستجدون الشفاء؟
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4028 - الثلثاء 17 سبتمبر 2013م الموافق 12 ذي القعدة 1434هـ