منظمة شنغهاي للتعاون ونظام دولي جديد
”تضم المنظمة في عضويتها الأساسية، الدول الست: الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان. مع منغوليا والهند وإيران وباكستان بصفة مراقب، وبيلاروسيا وسري لانكا وتركيا بصفة شريك في الحوار. وكانت قد بدأت عام 1996 بطلب من الصين، واستهدفت حل الخلافات الحدودية بينها وبين جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق المحاذية لها، وتعميق الثقة العسكرية بين الأطراف الموقعة، خاصة بين الصين وروسيا.”
أبرز ما تميزت به القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) (التي عقدت في العاصمة القرغيزية بشكيك يومي 13 و14/9/2013) اللقاءات الثنائية، ولا سيما بين الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني والرئيسين الصيني تشي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين، والثلاثية المشتركة بين الرؤساء روحاني وبينج وبوتين. اضافة إلى ما صدر عنها بعد هذه اللقاءات والدورة كلها، وهي الثالثة عشرة لقمة المنظمة وفي ظل ظروف عالمية ساخنة وادوار كبيرة لأطراف منها فيها ومعالجات لا تتم بدونها. بحيث شكلت هذه اللقاءات كما لاحظ مراقبون غربيون نواة عملية لسياسات جديدة وتحالفات قوية تتجه إلى بناء نظام دولي جديد، يتميز بتطورات افضل للبشرية والسلام والأمن الدوليين. تكون فيه المنظمة ركنا اساسيًّا لما تضمه من قوى وإمكانات دولية واضحة. اذ تضم المنظمة في عضويتها الأساسية، الدول الست: الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان. مع منغوليا والهند وإيران وباكستان بصفة مراقب، وبيلاروسيا وسريلانكا وتركيا بصفة شريك في الحوار. وكانت قد بدأت عام 1996 بطلب من الصين، واستهدفت حل الخلافات الحدودية بينها وبين جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق المحاذية لها، وتعميق الثقة العسكرية بين الأطراف الموقعة، خاصة بين الصين وروسيا. وخلال قمة موسكو للمنظمة (1997)، وقعَت الدول نفسها "معاهدة خفض القوات العسكرية في المناطق الحدودية". وتبلغ المساحة الإجمالية للدول الاعضاء حوالي 30 مليونا و189 ألف كيلومتر، اي 5/3 من مساحة اوراسيا وعدد سكانها اكثر من مليار ونصف نسمة أي اكثر من ربع سكان المعمورة. ومنذ تأسيسها رسميًّا عام 2001 توسعت أهداف المنظمة وبناها لتشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، إضافة إلى بناء الثقة العسكرية.. وعملت خلال السنوات على تعزيز الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين اعضائها ودعم التعاون الفعال على جميع الصعد، السياسية والاقتصادية والتجارية والعلمية - التقنية، وكذلك في مجالات التعليم وصناعة الطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة وغيرها، والعمل سوية على دعم السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
على هامش القمة الأخيرة تمت لقاءات ثنائية إضافية، بين الرئيسين روحاني وبوتين وكل من الرؤساء، القرغيزي ألمازبك اتمبايوف، والأفغاني حميد قرضاي، والكازاخستاني نور سلطان نزارباييف، وتباحثوا خلالها في سبل تحسين التعاون بين بلدانهم، والمساعدة على حل المشاكل الداخلية. وخلالها اكد الرئيس الإيراني على رغبة حكومته في حل القضية النووية بأسرع وقت في إطار القانون الدولي. وتطرق روحاني خلال اللقاءات إلى الملف السوري، معتبراً أن "المبادرة الروسية بشأن الأسلحة الكيميائية، وخطوات القيادة السورية في هذا المجال، تبعث الأمل بتفادي حرب جديدة في المنطقة". وأضاف أنه "كلما تكثفت المشاورات بين إيران وروسيا بشأن القضايا الإقليمية، وخاصة أخذا في الحسبان الوضع الحساس في الشرق الأوسط، كلما ساهم ذلك في حل هذه القضايا".
أشاد بوتين من جهته، بـ"الحليف الإقليمي" لموسكو: "نعرف حجم الشؤون الدولية التي تدور في فلك المشكلة النووية الإيرانية، لكننا في روسيا نعرف شيئا آخر، وهو أن إيران جارتنا، جارة جيدة"، مستطرداً "نحن لا نختار جيراننا"، "نعتقد أن إيران مثل أية دولة أخرى لها الحق في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية بما في ذلك التخصيب". وأضاف "يربطنا تعاون كبير، قائم الآن وعلى الأرجح سيستمر في المستقبل". ورحب بقرار دمشق الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية. وأكد موقف بلاده الرافض للتدخل عسكريًّا في الأزمة السورية. وأشار بوتين إلى أن الجهود الدبلوماسية الأخيرة أدت إلى "تقليل خطر العملية العسكرية" (العدوان)، مؤكداً أهمية اقتراح وضع الأسلحة الكيميائية في سوريا تحت مراقبة دولية لدرء خطر الضربة العسكرية.
وقع زعماء دول المنظمة في نهاية القمة على "إعلان بشكيك"، الذي أكد على سعي أعضائها إلى تعميق التعاون الاجتماعي - الاقتصادي والإنساني فيما بينهم، وإقرار خطة المنظمة للأعوام 2013 - 2017 المتعلقة بتنفيذ اتفاق حسن الجوار طويل الأمد، والصداقة والتعاون بين الدول الأعضاء.
ورد في الإعلان: "ان بلدان المنظمة تعبر عن قلقها العميق بصدد الوضع في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وخاصة في سوريا، وتدعو إلى احلال السلام والاستقرار وتحقيق الازدهار والتقدم في تلك المنطقة في ظل استبعاد أي تدخل خارجي، بما في ذلك العسكري، في شؤونها من دون صدور قرار من مجلس الأمن الدولي". كما وقفت بلدان منظمة شنغهاي للتعاون إلى جانب قيام السوريين أنفسهم بالتغلب على الأزمة في أقرب وقت في ظل الحفاظ على سيادة الجمهورية، ووقف العنف في البلاد وإطلاق حوار سياسي واسع بين السلطات والمعارضة بدون شروط مسبقة وعلى أساس بيان جنيف. وأكدت بلدان المنظمة أيضا على دعمها للجهود من اجل عقد مؤتمر دولي لتهيئة أساس للمصالحة وتطبيع الوضع واتخاذ خطوات تهدف إلى عدم تكريس عسكرة الأزمة الداخلية في الجمهورية السورية. وأيدت المبادرة الروسية حول وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية وإتلافها لاحقا وانضمام سوريا إلى معاهدة حظر السلاح الكيميائي.
من بين ما اتفقت عليه منظمة شنغهاي للتعاون منذ العام 2011، هو العمل على تكوين منظومة أمنية متطورة لها في مجال مكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات ورقابة الإنترنت، وحدد حينها رئيس كازاخستان نزارباييف في افتتاح القمة الأولى التي عقدت في بلاده، إنه يمكن للمنظمة أن تتكفل بالعديد من المشاكل في أفغانستان بعد انسحاب قوات التحالف الغربي في 2014. وكذلك المطالبة بخروج القوات الأميركية من المنطقة عموما. الأمر الذي فسره بعض المحللين بأن المنظمة تعمل لتكون وريثة لحلف وارسو العسكري، أو شكلا مثله. ولا يمكن الاعتماد على كل ما يسرب اعلاميًّا. الا أنه وفي كل الأحوال تشكل طبيعة المنظمة واستمرارها، اضافة إلى دول البريكس الأخرى، قوة دولية مؤثرة في بناء نظام دولي جديد.
كاظم الموسوي* كاتب وصحفي عربي ـ لندن