وأخيرًا.. اكتشفنا سبب موت توت عنخ آمون!

وأخيرًا.. اكتشفنا سبب موت توت عنخ آمون!

لم أتمكن من كبح مشاعري بالتمييز ضد أخبار العرب والمسلمين لدوافع سياسية لا محال، في أخبار الصباح لقناة الـCBS الأميركية الأكثر شيوعًا في الولايات المتحدة، ومرد ذلك يتجسد في إيراد خبر عابر ربما لم يتجاوز ثانية واحدة حول اكتشاف مادة البولونيوم المشعة في جثمان المغفور له الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
ومقارنة بهذا الخبر "الخاطف" خصص هذا البرنامج الإخباري ذات الصباح الذي يطول ساعتين من 7 إلى 9 فقرات مطولة تخللتها مقابلة مع مختص حول ما تم اكتشافه مؤخرًا حول سبب وفاة الفرعون المصري "توت عنخ آمون". أما لماذا هذا الاهتمام بسبب وفاة الفرعون المصري التي حدثت قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، فإنه يتلخص في أن النظرية الجديدة حول سبب موته تخالف النظرية القديمة التي تفيد بأنه مات مصابًا بالملاريا!
أليس في هذه التغطية الإعلامية الكثير والجلي من التمييز والتجني على سكان الشرق الأوسط وأحوالهم: فبالرغم من أن وفاة الرئيس عرفات لم تزل موضوعة ساخنة، فيما لم تمر عليها سوى بضع سنوات، يجد مصممو نشرات الأنباء في الإعلام الأميركي أن إماطة اللثام عن حقائق تخص وفاة ملك فرعوني كان قد عاش قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة هي حال أكثر أهمية من استشهاد بطل تحرير فلسطيني لم يزل موضوعه ودوره مثيرًا للاهتمام وللجدل. الفرعون كان يهم شعبا فرعونيا عاش قبل دهور، وربما لم يتبق منه إلا القليل الذي لا يمكن أن يكتشف إلا بدراسة ورصد الجينات، بينما الرئيس الفلسطيني يخص شعبا حيا لم يزل يناضل من أجل حقوقه في وطن حر وشعب سعيد.
الطريف أن تفاصيل وفاة الفرعون كانت لدى "العقل الإعلامي" الأميركي بدرجة من الأهمية أنها خصته بفيلم ثلاثي الأبعاد، لا يبين فقط أنه توفي بسبب كسور، بل كذلك أنه قد توفي وهو يبرك لالتقاط شيء من الأرض حيث جاءته المنية بعجلة عربة تجرها الخيول! لا أدري ما هذا الإقلال من شأن شعب حي يعاني الأمرين يوميًّا مقارنة بآثاريات مندرسة لملك فرعوني لم يترك لنا، برغم أهميته من منظور آثاري، سوى بقايا تسخير جموع البشر لإقامة أهرامات تمجده وأسرته من بعد موته. لم لا ينصف الإعلاميون الأميركيون "الآخر" العربي، المسلم أو الشرق أوسطي كي ينتزعوا مرارة الشعور باللاعدالة من دواخل نفسه؟
ثمة نمط سلوكي إعلامي يتبلور في هذا التناقض عاكسًا ما كان العرب والمسلمون يشتكون منه على نحو متواصل يتجسد في تجاهل الإعلام الأميركي، بل والعقل الإداري الأميركي قضاياهم ومعاناتهم على نحو يفضي إلى خلاصة تحامل وانحياز واضحي المعالم.

أ.د. محمد الدعمي كاتب وباحث أكاديمي عراقي

أعلى