العراقيون بين المسؤولية والتغيير
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ: يتفق الجميع على أن العراق يمر حاليا بمرحلة حساسة تكاد تشكل نقلة نوعية في تاريخه، ويعدّها كثيرون فرصة ذهبية لبناء دولة قوية مزدهرة ومستقرة، لما يتوافر عليه العراق من ظروف وإمكانيات وثروات وعقول، يمكنها ان تحقق هدف التغيير نحو الافضل، شرط تحمل المسؤولية المطلوبة لبناء الدولة والمجتمع، لاسيما من يقود البلد سياسيا، بالاضافة الى مسؤوليات النخب، ولا يُعفى المواطن العراقي من هذه المسؤولية التي تتعلق بقبول المحاسبة والسعي نحو التغيير الافضل، لكن المسؤول الحكومي غالبا ما تكون مسؤولياته كبيرة وحساسة، كونها تتعلق بطيف واسع من الشعب، بمعنى ان المسؤولية هنا ليست فردية، ولا تخص مجموعة صغيرة من الناس، بل تمتد لتشمل نسبة قد تكون واسعة من المجتمع.
وطالما عُرف عن العراقيين استعدادهم للتضحية في سبيل البناء، ومواجهة التحديات، فالعراق صاحب التاريخ الثري في مجال تحمل المسؤولية، إذ لدينا أعظم نموذج قيادي في التاريخ الاسلامي، تصدى للمسؤولية القيادية ونشر العدالة الاجتماعية بين الجميع، وعامل الجميع وفق المبادئ الانسانية العظيمة، ولم يقتصر هذا التعامل على احد، بل حتى الاعداء والمعارضين كانت العادلة حصتهم من قيادة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام.
لذا مطلوب من السياسي ومن جميع الناس تحمل المسؤولية وقبولها، وقبول نتائجها أيا كانت، من اجل بناء الدولة التي تحمي الانسان وكرامته وحقوقه، ولا شك في ان تحمل المسؤولية تحتاج الى تمسك وتضحية وايمان راسخ.
في احدى كلماته القيّمة، يخاطب سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، العراقيين قائلا: (أيّها الشعب العراقي الكريم والأبيّ، قدّمتم الكثير من التضحيات لله سبحانه وتعالى، وعلى خطى أهل البيت صلوات الله عليهم، وعلى خطى الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين وخطى الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين).
لذلك لا تقتصر المسؤولية على فرد دون غيره، ولكن من يتصدى للحكم والسلطة وادارة شؤون الشعب، لابد أن يتحمل المسؤولية بصورة تتوافق مع حجم صلاحياته، ولكن بشكل عام، الجميع عليه أن يتحمل مسؤولية البناء والعمل من اجل التغيير والخيارات الاخرى، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على:
(أنّ كل فرد من أفراد الشعب العراقي، من الرجال والنساء، والمثقّفين، والكسبة، والموظّفين، وأهل العلم في الحوزات العلمية والجامعات والمدارس، كل واحد عليه هذه المسؤولية بمقدار ما يمكنه).
الامتحان والعاقبة الحسنة
يتعرض الانسان الى الاختبار، ويكون محطّ الابتلاء، ويتعرض لكثير من المصاعب في حياته، ولكن في المقابل عليه أن يتحمل جميع المصاعب، ويواجه الامور والظروف ويعالجها بتعقّل وحكمة وارادة عالية، فمسؤولية الانسان تتمثل هنا بقدرته على اتخاذ القرار الصحيح، ليس هذا فحسب، بل مطالب أيضا بالتنفيذ الصحيح، والتحسّب الدائم لاغواءات الذات والرغائب التي تحث عليها النفس الامّارة، لذلك عندما يتصدى المؤمن للمسؤولية بايمان وقوة ودراية، ستكون النتائج جيدة والعاقبة لا ريب حسنة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (أما المؤمنون فقال عنهم تبارك وتعالى: * وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً*. أي يختبرهم ويمتحنهم. وهو امتحان صعب، وتحمّله مشكل، ولكن إذا كانت العاقبة حسنة، فهذا البلاء والامتحان يكون امتحاناً حسناً، وبلاء حسناً ينتهي إلى عاقبة حسنة).
ولقد كان العراق كما يحكي لنا تاريخنا المشرق منطلقا لحكومة الامام علي عليه السلام، وكانت سياسة العدل والرحمة والمساواة والعدل هي التي تمثل مسؤولية التصدي لإدارة الدولة، كما أن النجاح الذي تحقق في الاقتصاد ومحو مظاهر الفقر، والوفرة التي تحققت في مجال الزراعة، كل هذه المؤشرات دليل على قيادة سياسية ناجحة، وكان المبدأ الاساس في ادارة الدولة هو تحمّل المسؤولية، الامر الذي ينبغي أن يسير عليه اليوم قادتنا السياسيون.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، انطلق من العراق في حكومته الكريمة التي دامت خمس سنوات تقريباً، انطلق من منطلق العقيدة والأخلاق) وتحمل المسؤولية.
القدرة على التغيير
كل عراقي اليوم مطالب باستثمار الفرص المتاحة له، بخصوص المشاركة الصحيح بقدر المستطاع، في مجال تحمل مسؤولية البناء والتغيير الامثل، فضلا عن قبول مسؤولية الخطأ الذي قد يقع فيه الانسان لأي سبب كان، فالانسان خطّاء، ولكن عدم تحمل مسؤولية الخطأ، تقود الى التهرب منه، واهماله، وبالتالي تتراكم الاخطاء، ويعتاد الانسان على عدم تحمل مسؤولية اخطائه، وهذا يقود الى عدم تصحيحها، وهو امر لا ينسجم مع اهداف بناء الدولة، كما انه تفريط واضح بالفرص المتاحة الان لبناء الدولة والمجتمع الامثل.
نعم يستدعي الامر سلسلة من التضحيات التي يجب ان يقدمها الجميع، وأولها واكثرها أهمية قبول المسؤولية، وقبول المحاسبة على الخطأ، عن قصد أو من دونه، فضلا عن أهمية الاسهام في عمليات البناء بأيمان تام، خاصة ان العراقيين بصورة عامة يعرفون طبيعة المرحلة الخطيرة التي يمر بها بلدهم في الظروف السياسية الدولية والاقليمية والمحلية ايضا.
لذلك يخاطب سماحة المرجع الشيرازي، جميع العراقيين قائلا سماحته في هذا المجال: (إنّني أقدّر في جميع المؤمنين والمؤمنات، في كل مكان، خصوصاً الشعب العراقي الكريم، المؤمنين منه والمؤمنات كافّة، أقدّر فيهم هذه التضحيات التي يقدّمونها اليوم).
ولعل التركيز على أهمية التصدي للمسؤولية، وقبول المحاسبة، يجعل من هذا السلوك دافعا للتصحيح، وهو نوع من الاتفاق السليم على ترصين شخصية الانسان العراقي وزيادة ثقته بنفسه ايضا، وهكذا يقودنا تحمل المسؤولية الى قضية مهمة جدا تتعلق بالتغيير نحو الافضل بأبسط الوسائل، فعندما تعلن انك مستعد للدور المناط بك، وفق قيم المحاسبة المتعارف عليها، فإنك بذلك تسهم في بناء سلوك مجتمعي سياسي في وقت واحد، يصب في حصيلة ايجابية مزدوجة، تتعلق بالتغيير من جهة، وتحمّل المسؤولية من جهة اخرى، وبالوسائل البسيطة المتاحة لك.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (التغيير ممكن حتى بأبسط الوسائل، ولكن ذلك يتطلب جهداً وعملاً دؤوباً).
شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/نيسان/2014 - 1/جمادي الآخر/1435