الفشل المعنوي مقدمة للفشل المادي
تصغير الخطتكبير الخط
لن يستغرب أحد لو وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى حالة من اليأس شبيهة بتلك التي وصل إليها وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر في 1990 عندما قام بقراءة رقم هاتف البيت الأبيض وقال «اتصلوا بنا عندما تكونون جادين بشأن عملية السلام». ذلك الكلام الحاد أثر قليلاً في الإسرائيليين، ولكنهم عادوا إلى طريقتهم المعتادة في عدم الالتزام بأيِّ تعهد أمام أيّة جهة، حتى لو كانت الولايات المتحدة الأميركية.
على أن «دولة إسرائيل» التي تعتبر نفسها القوة الديمقراطية (والنووية) الوحيدة في المنطقة بدأت بالفعل رحلة «الفشل المعنوي والأخلاقي»، والذي بدأ ينعكس في استجابة دوائر أكاديمية واقتصادية لدعوات مقاطعة النظام الإسرائيلي، بصفته نظاماً عنصرياً وغير أخلاقي. ومن المتوقع أن يُصوِّت أعضاء الاتحاد الوطني للصحافيين البريطانيين هذا الأسبوع على اقتراح لمقاطعة إسرائيل لرفضها منح الفلسطينيين حق العودة، وذلك على نفس نهج المقاطعة الذي طبق ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. مثل هذا القرار سيكون شبيهاً بقرار صدر في ديسمبر/ كانون الأول 2013 عن هيئة أكاديمية أميركية قضى بقطع العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية والثقافية في إسرائيل احتجاجاً على معاملة إسرائيل للفلسطينيين.
يأتي كل هذا في وقت تزداد فيه حملة مقاطعة عالمية يُطلَق عليها (B.D.S)، وهي تدعو إلى اتخاذ إجراءات شتى تشمل تدابير المقاطعة وعدم توظيف الاستثمارات وفرض عقوبات ضد إسرائيل، على غرار ما سبق وشهده العالم في عقد الثمانينات من القرن العشرين بالنسبة إلى نظام الفصل العنصري السابق في جنوب افريقيا. والجميع يتذكر كيف كانت جنوب افريقيا قوة نووية أيضاً، وكيف أنها لم تتوقع أن تؤثر فيها المقاطعة، ولكن في النهاية انهار النظام غير الإنساني، وخرج نيلسون مانديلا ومَن معه من السجن وقادوا البلاد نحو الديمقراطية.
إن الفشل المعنوي يسبق الفشل المادي، والدولة الفاشلة معنوياً قد يصيبها الغرور ويسوء خلقها وتبدأ بإطلاق ألفاظ غير لائقة على كل من ينتقدها، أو ينصحها بإصلاح وضعها، معتقدة أن ما لديها من إمكانات أو تحالفات تنفعها في مقاومة سنن التاريخ التي ترفض البغي والظلم والاستبداد والاحتلال وحرمان الناس من العيش بسلام على أراضيهم وأراضي آبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم. المؤسسة الإسرائيلية (التشريعية والتنفيذية والقضائية) أصدرت تشريعات وقرارات وأحكاماً من كل نوع «لتجريم» الفلسطينيين في كل جانب من جوانب حياتهم اليومية، وأصبح الفلسطيني في الداخل يُعامَل كالغريب والمجرم في وطنه، أمّا الفلسطيني في الخارج فممنوع من العودة إلى بلاده (بحكم القانون الإسرائيلي).
الحركة الصهيونية، ورغم كل ما كان لديها من إمكانات قبل العام 1948، لم تستطع أن تشتري سوى أقل من 6 في المئة من الأراضي الفلسطينية آنذاك، أمّا الآن فأصبحت كل فلسطين تقريباً مُحرَّمة على الفلسطينيين ولكنها مفتوحة لغيرهم، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصر على أن يعترف المفاوض الفلسطيني بـ «يهودية الدولة» أولاً وقبل كل شيء، وهذا يعني أن أيَّ يهوديٍّ في أيِّ مكان في العالم له الحق في استيطان فلسطين في الوقت الذي يُحرَم أهلها منها. كما أن حصر الدولة بهوية دينية محددة يعني عدم الاعتراف بمبدأ المواطنة الذي تقوم عليه الدولة الحديثة، وبالتالي فإن إسرائيل تفتقر إلى المعنى الجذري لمفهوم الدولة الحديثة، وهو ما يجعلها دولة مهزوزة رغم كل ما تملكه من قوة نووية ورغم أن ظروف دول الجوار مواتية لتسيُّدها مادياً. إن القوة المادية ليس لها قيمة من دون قيمة معنوية، وهذه هي سنّة التاريخ.
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4230 - الإثنين 07 أبريل 2014م الموافق 07 جمادى الآخرة 1435هـ