أين الاستراتيجية الأميركية في المنطقة؟
- [ltr][/ltr]
- [ltr]قاسم حسين ... كاتب بحريني[/ltr]
- [ltr]Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com[/ltr]
تصغير الخطتكبير الخط
من أكثر المقولات المضللة انتشاراً ما يقال عن غياب الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فهل أصبحت هذه القوة العظمى المتحكمة في العالم، فجأةً من دون استراتيجية في المنطقة؟
ربما يدفع لانتشار هذا التصوّر ما يشعر به بعض أصدقاء أميركا من خذلانٍ وتخلٍّ، مع أن هذا الخذلان والتخلّي عن الأصدقاء ليس جديداً على السياسة الأميركية. لكن الشعور بالخذلان لا يعني عدم وجود استراتيجية أميركية في المنطقة.
المؤكد أن ما يجري اليوم في المنطقة يخدم السياسة الأميركية ويحظى بفرح ساستها، حتى وإن لم يعبّروا عن ذلك إلا أنه يظهر على قسمات وجوههم وفلتات ألسنتهم. وكثيراً ما صرحوا أن الحرب على «داعش» ستستمر سنوات طويلة، بل إن أحدهم توقّع أن تطول ثلاثين عاماً، وتلك هي أمانيهم.
إن ما يجري في قلب المنطقة العربية هو ما كانت تخطط له الإدارة الأميركية اليمينية السابقة، وكانت عرّابتها وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، التي بشّرت شعوب المنطقة بالشرق الأوسط الجديد الذي يولد على أساس «الفوضى الخلافة»، والتي استهلت بحرب تموز على لبنان (2006)، وحرب غزة (2009). وإن كان ثمة فاصل قصير مثلته ثورات الربيع العربي، الذي جاء على غير توقع من الاستخبارات الأميركية والغربية، إلا أن تدخل القوى الأجنبية والإقليمية ساهم في تحريف اتجاهه، واستبدال ثورات الشعوب بقوى تدميرية تم الزجّ بها في الساحة لاختطاف حركة الشعوب الأصيلة. وهكذا أُغرق هذا الربيع بالدم والدموع، بعد استقدام مقاتلين من 80 دولة عبر العالم، لا تدري كيف تم تسهيل حركة سفرهم عبر المطارات، وتدريبهم في معسكرات بعض دول المنطقة لضرب دول أخرى!
كل ذلك كان يجري تحت رعاية وحماية القوة الكبرى: الولايات المتحدة الأميركية. ومن يقول إنه لا يوجد لدى أميركا استراتيجية فهو مخطئ أو مضلّل. فما يجري يخدم ويحقّق المصالح الأميركية العليا، في عموم المنطقة، ورأس الحربة في هذا المشروع هذه القوى التكفيرية المستخدَمة، وعلى رأسها «داعش».
لنبدأ بقلب المنطقة، العراق، الذي ظل يحاول التفلت من القيد الأميركي، وقاوم في نهاية فترة نوري المالكي طلب الإبقاء على «حامية أميركية»، يعود اليوم في عهد خلفه حيدر العبادي ليتوسّل من أميركا وحلفائها الأوروبيين الدعم في مقاتلة «داعش»، رغم علمه بعدم جدية هذا التحالف الزائف في مقاتلة التنظيم. في وقت يذهب الأكراد إلى واشنطن التماساً لبركتها في دعم الانفصال، ويذهب بعض ساسة السنّة إليها طلباً للتسليح وتكوين قوة ثالثة يمكن استخدامها نواةً للتقسيم الذي ينادي به بايدن. كل القوى العراقية الكبرى، بقيادتها السياسية الفاشلة، سنةً وشيعةً وأكراداً، تبدو وهي تتحرك كالدمى وفق الرغبات الأميركية، فكيف يُقال إنه لا توجد استراتيجية أميركية؟
في سورية، استراتيجيتها أكثر وضوحاً، وهو استمرار استنزاف هذا البلد العربي، دولةً ونظاماً وشعباً، وهل هناك استراتيجية تحقق المصلحة الأميركية في سورية أفضل وأذكى من استمرار النزيف لأطول فترة ممكنة؟
في شمال إفريقيا، يتحلل النظام السياسي في ليبيا، وتتفكك الدولة فيها حتى دخلت نادي «الدول الفاشلة»، حيث تشهد اقتتالاً مناطقياً تشترك فيه 40 قبيلة، وتنشب قوى «داعش» وأخواتها بأجزاء كبيرة منها. وأخذت تصدّر المقاتلين إلى سورية والعراق، وإلى جارتها الكبرى مصر، لتزيد الاضطراب الأمنى فيها، وخصوصاً في سيناء. والمصريون يعرفون اليوم أن بلدهم لن يستقر دون أن تستقر ليبيا التي تصدّر لبلادهم الأسلحة، من المخزون الهائل الذي خزّنه نظام القذافي طوال أربعين عاماً، فأصبح غنيمةً باردةً بأيدي الإرهابيين.
واليمن؟ هل هناك استراتيجية أميركية أفضل مما يجري هناك؟ ولبنان؟ والسودان؟ وبعدها يقولون ليس للأميركان استراتيجية في المنطقة!
كان الفيلسوف يحمل مصباحاً في النهار ويدور به في الشوارع، وحين سخروا منه قال إنه يبحث عن الحقيقة الضائعة، وهو ما نحتاجه اليوم للعثور على الاستراتيجية الأميركية المختفية في وضح النهار!
اضغط لقراءة المزيد من مقالات: قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4656 - الأحد 07 يونيو 2015م الموافق 20 شعبان 1436هـ