بانتظار إطلاق أموال الفقراء
أخيراً نطقت وزارة التنمية الاجتماعية... وأعلنت بعد صمت أربعة أسابيع، أن سبب تجميد أموال 36 صندوقاً خيرياً، هو تأخرها في إجراء عملية التحوّل من «صندوق» إلى «جمعية»، وانها فكت تجميد 18 صندوقاً خيرياً من الصناديق التي بدأت إجراءات تحولها الرئيسية وذلك يوم أمس (الأربعاء). .. ولكن التفاصيل التي وردت في البيان ليست دقيقة.
خلال الأسابيع الأخيرة، كان عددٌ من مسئولي الصناديق الخيرية يراجعون الوزارة بالمرفأ المالي، ولم يحصلوا على توضيح لسبب تجميد الحسابات. وتعرض بعضهم إلى معاملةٍ غير لائقة، وهي قضيةٌ ينبغي للوزيرة أن تحقّق فيها جيداً، فالموظف العام لا يتصرّف في الوزارة كما يتصرّف في بيته مع أطفاله الصغار. فهؤلاء أشخاصٌ أفنوا سنواتٍ طويلةً من أعمارهم في العمل التطوعي، دون أن ينتظروا كلمة شكر.
من الخطأ استبدال نهج الشراكة والتعاون، بأسلوب المواجهة والصدامات. ومن المؤسف أن نرى وزارةً، ولأول مرةٍ في تاريخ الدولة بعد الاستقلال، تجرجر بعض مؤسسات المجتمع المدني إلى المحاكم، آخرها «الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان»، ما يدلّ على تغييب لغة التفاهم والحوار.
قبل أشهر، شكا أحد المواطنين للوزارة وجود محتالين يجمعون أموالاً على باب أحد الجوامع، فأصدرت تعميماً بمنع وضع الحصالات في البرادات وأسواق السوبرماركت. وبدل أن تلاحق هؤلاء المحتالين وتقتادهم للقضاء، تركتهم يعبثون أمام الجوامع وأخذت تلاحق الصناديق الخيرية وتهدّدها بالمحاكمات!
الطريقة نفسها تكرّرت في الرد الذي قرأناه أمس، حيث اكتشفنا أن «تجميد حسابات 36 صندوقاً خيرياً لأنها أخرت التحوّل»! وإذا افترضنا أن إدارات الصناديق الخيرية أخطأت أو تأخّرت، فهل يجوز معاقبة عشرات الآلاف من الفقراء بإيقاف المساعدات الشهرية؟ وهل يحقّ للوزارة كلما اختلفت مع جمعية أو صندوق خيري، أن تجمّد حسابه أو تجرجره للمحكمة أو تحل مجلس إدارته المنتخب وتفرض عليه أحد موظفيها بدل الرئيس الشرعي المنتخب؟ وماذا سيبقى لنا من مؤسسات المجتمع المدني إذا استمرت هذه السياسة في مصادرة حقوق الناس؟
إن من محاسن تجربة الصناديق الخيرية، أنها لم تتورّط في أوحال السياسة، ومن الخطأ الفادح تسييسها بهذه الطريقة. فكلنا أبناء ديرةٍ واحدة، ونعرف موارد هذه الصناديق ومصارفها، ومن المهم النأي بها عن الأجندات الأجنبية والوساوس والظنون.
لقد أخطأت الوزارة بتجميد حسابات الصناديق الخيرية مرتين، مرةً بحق الفقراء، ومرةً لأنها خالفت القانون، فالتحوّل عملية اختيارية، وتأخر التحول لا يبرر تجميد الحسابات على الإطلاق. ومع أن أغلب الصناديق وافقت على التحوّل، إلا أن من لم يوافق وفضّل الاستمرار في وضعيته السابقة، فكلّ ما يمكن الوزارة القيام به هو تطبيق القانون الذي لا يمنحها حق تجميد الحسابات.
اللجنة التحضيرية رفضت من البداية خيار تصفية الصناديق، الذي اقترحته الوزارة كحلّ للتحوّل، لما يجره من تعطيلٍ بما لا تحتمله أوضاع الأسر المحتاجة. وهو توقعٌ ثبتت صحته، مع أول يومٍ أصدرت فيه الوزارة قرار التجميد.
ومع تكشف الآثار السلبية للقرار على أوضاع آلاف الأسر البحرينية، أصدرت مديرة المنظمات الأهلية بياناً مساء أمس، ومن تناقضات البيان ماورد بأنه بعد تاريخ 22/9/2010 بدأت الصناديق التقدّم بالتحوّل حيث بلغ عددها 55 من أصل 76 صندوقاً، وإذا كان عدد الصناديق التي جُمّدت حساباتها 36، فهذا اعترافٌ بتجميد عدد من الصناديق المتحوّلة أيضاً، ما يسقط حجة التحوّل الواهية.
موضوع الفقراء لا يحتمل المماطلة والتلاعب بالكلمات واللف والدوران. لقد خلقتم المشكلة وعليكم أن تبحثوا عن حلّ... أوله إلغاء هذا القرار المتعسف، وكفى الله المؤمنين القتال.
قاسم حسين