كويتيو «داعش» وصكّ العبودية
قاسم حسين
خبران مترابطان نشر أحدهما الخميس قبل الماضي عن وثيقة تاريخية تباع بمبلغ يقارب ثلاثة ملايين دولار، والآخر نشر أمس السبت، عن وجود عشرات الكويتيين في مناصب متقدّمة في تنظيم «داعش».الوثيقة المعروضة للبيع في مزاد في 25 مايو/ أيار الجاري، تتضمن نص التعديل الثالث عشر في الدستور الأميركي الذي وقّعه الرئيس أبراهام لينكولن، ويلغي بموجبه العبودية في الولايات المتحدة. وقد وقع لنكولن الوثيقة في الأول من فبراير/ شباط 1865، قبل أسابيع فقط من اغتياله في 14 أبريل/ نيسان من ذلك العام. وجاء في نص التعديل الثالث عشر: «تحرّم العبودية والخدمة الإكراهية، فيما عدا العقاب على جرمٍ حُكم على مقترفه بذلك بحسب الأصول، في الولايات المتحدة وفي أي مكان خاضع لسلطاتها».تجارة الرقيق كانت مزدهرةً في الولايات المتحدة، وقد قامت بدايات نهضتها على استغلال الزنوج الذين كان يجري الإغارة على قراهم على الساحل الغربي في أفريقيا، وأسْرهم وترحيلهم في سفن شحنٍ كبيرة، أشبه بسفن شحن الماشية، مقيّدين بالسلاسل والأغلال. وحين يصلون بعد شهر أو أكثر، يجري بيعهم على السواحل الأميركية كأيدي عاملة زراعية في الحقول والمزارع الكبيرة. واستمرت هذه التجارة المزدهرة حتى منتصف القرن التاسع عشر.كانت عصابات اللصوص التي تغير على المناطق الأفريقية تحرص على أسر الرجال والشبان، مع عددٍ أقل من النساء والفتيات. فالملاك الذين يستغلون النساء الأسيرات جنسياً، يستفيدون من الأطفال الذين يلدنهم من خلال هذه العلاقات، حيث ينشأون ويكبرون لينضمّوا إلى طوابير «العبيد» (مع التحفظ على هذا المصطلح الخاطئ والصحيح هو «المستَعبَدون»). كما يسمح الملاك أحياناً بزواج الأسرى من الأسيرات، ويلتحق أولادهم بالطابور الطويل تلقائياً.ظلت هذه التجارة القذرة رائجةً لأكثر من ثلاثة قرون، حيث تم انتزاع 25 مليون أفريقي من أرضهم، ومات ثلثهم في طريقهم إلى العالم الجديد وألقي بجثثهم في مياه المحيط الأطلسي. وحتى حينما تم إلغاؤها منتصف القرن التاسع عشر، ظلّت آثارها في النفوس مئة سنة أخرى، واحتاج اقتلاع هذه العنصرية، إلى بروز جيلٍ من المناضلين الإنسانيين الذين قادوا حركة الحقوق المدنية، وعلى رأسها القس مارتن لوثركنغ، الذي بدأ نضاله في أحد قلاع العنصرية بالجنوب الأميركي.لوثركنغ هو صاحب الخطبة الشهيرة «لديّ حلم»، التي ألهمت الملايين على طريق مكافحة العنصرية وإسقاط التمييز. وقد قتل بالرصاص في عمر الـ39، لكن ظلت قضيته حاضرةً حتى تمّ إلغاء قوانين التمييز رسمياً، والسماح للسود بالانتخاب والترشح، وفتح الباب لوصولهم إلى مختلف الوزارات، من داخلية وخارجية ودفاع وأمن قومي، انتهاءً بمنصب الرئيس.إنهم يصنعون تاريخهم ويغيّرون مساراته، أحببنا ذلك أم كرهنا، وافقنا أو عارضنا سياساتهم، فهم قادة العالم هذه الأيام، وسيظلون مؤثرين على بقية مناطق العالم لسنين قادمة. أما نحن فنبدأ من حيث نقطة العار التي بدأ بها الآخرون، ففي دولة خليجية مثل الكويت الشقيق، كانت مصدر إشعاع فكري لأكثر من خمسين عاماً، تتحدث التقارير الصحافية عن عشرات الكويتيين الذين يقاتلون في صفوف «داعش»، في العراق والشام، ويوجد «موكّلون سريون» لأخذ «البيعة» من الراغبين بمبايعة خليفة المسلمين الجديد أبوبكر البغدادي (واسمه الأصلي إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي).الكويت التي عاشت أفضل وأطول تجربة ديمقراطية، ومستوى اقتصادي، وحرية صحافة، على مستوى الخليج، يكشف التقرير الذي نشرته صحيفة «الرأي» الكويتية أمس، أن الكويتيين الذين التحقوا بدولة البغدادي، لم يكونوا جنوداً عاديين، بل وصل بعضهم إلى مناصب عليا، كمنصب «الوالي» أو «المسئول الشرعي» و«المسئول الإعلامي»، وصدق من قال: ومن يشتري ذا علةٍ بصحيحِ؟صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5013 - الأحد 29 مايو 2016م