الكراهية وتداعياتها الخطيرة!
سلمان سالم
لم يعد خافياً على أحد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أن الكراهية البغيضة قد أصبح لها في الثلاثين عاماً الماضية، حواضن اجتماعية، ومناهج دراسية، ومنابر خطابية، وصحف يومية وأسبوعية ومجلات شهرية ودورية، وإذاعات ومحطات أرضية وفضائية، وتستخدم مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وأنها قد تمكنت من خلال الفرص المتاحة لها من نشر أفكارها وثقافتها البغيضة في أواسط الصغار والشباب والشابات، في وسط هذه الفوضى الطائفية والمذهبية المصطنعة، التي تم افتعالها من قبل دعاة وصنّاع الكراهية البغيضة، من خلال خطبهم وخطاباتهم ومقالاتهم وبياناتهم وتصريحاتهم ومواقفهم السلبية وسبهم وشتمهم لكل من يختلف معهم في المعتقد الايديولوجية والمشرب الفقهي.
الكل يعلم أن ما يحدث من كراهية في عصرنا الحاضر غير معهود مطلقاً، في الكثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية، في زمن الآباء والأجداد، الذين كانوا يعتبرونه سلوكاً منافياً لكل النواميس الأخلاقية والإنسانية والوطنية، كل العقلاء الفضلاء الواعين في مجتمعاتنا يقولون إن الكراهية هي عنوان للنقص والاضطراب النفسي والمعنوي، وهو السبيل لتخلف المجتمعات وتراجعها في كل المجالات التنموية، لأنها أي الكراهية تقدم المتأخر وتؤخر المتقدم، وتعطي من لا يستحق وتحرم من يستحق.
في الفترة الأخيرة بدأنا نسمع بعض الأصوات ترفع عالياً من بعض المراكز الإسلامية المعتبرة، ومن عدد لا يستهان به من علماء المسلمين من مختلف بلدان العالم الإسلامي، التي تنتقد وتحذر من خطورة الكراهية الطائفية والمذهبية، على أمن وسلامة ووحدة المجتمعات العربية والإسلامية، وقالوا إن الكراهية منبتها غير سليم، وأنها تعرقل التنمية البشرية، وهي عنوان للنقص في الجوانب المتعددة، النفسية والمعنوية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والفكرية، فالذكي العاقل والذي يتمتع بالوعي الحقيقي، يترفع عن الكراهية بكل أنواعها الممقوتة، الطائفية والمذهبية والعرقية، ولا يسمح لنفسه في كل الأحوال والظروف أن تتلوث بوحلها النتن، لعلمه الأكيد أن من يسمح للكراهية التغلغل في داخله، وجعلها تهيمن على جوانحه بصورة كاملة، يكون كالجاهل الساذج الذي لا يميز بين الخير والشر، وقد يرى في أحايين كثيرة الخير شراً والشر خيراً.
لا ريب أن الكراهية الصادرة من الأفراد والجماعات منبوذة عند جميع العقلاء الواعين، فعلماء النفس يشككون في سلامة نفسية ومشاعر الإنسان الذي يكره أخاه الإنسان ويبغضه، بسبب أنه ينتمي إلى طائفة أو مذهب أو عرق غير الذي ينتمي إليه، ويقولون إن الكراهية غير العاقلة التي لا تنتج إلا من حدوث خلل نفسي كبير، لها انعكاسات نفسية ومعنوية واجتماعية خطيرة على من يمارسها ضد الآخرين المختلفين معه في الانتماء الطائفي أو المذهبي أو العرقي، شاء ذلك أم لم يشأ، وقد أثبتت الوقائع العملية أن الكراهية لم تتغلغل في داخل الإنسان إلا بعد تمكن الحسد الأعمى والمجنون في داخله، الذي تسبقه مجموعة من التساؤلات وعلامات الاستفهام، هل ولماذا وكيف وأين؟ فالإسلام العظيم، والنبي الهادي محمد (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) وأصحابه النجباء الأخيار (رض) والتابعون لهم بإحسان، جميعهم دعوا إلى نبذ الحسد بكل أنواعه، العلمي والسياسي والثقافي والفكري والاجتماعي، الذي يؤدي إلى وجود الكراهية في النفوس، وحثوا على نشر المودة والمحبة بين الناس، لأن الكراهية تضعف العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين أبناء البلد والواحد، وتعمل جاهدة على إيجاد شرخ عميق في اللحمة الوطنية، وتحدث المخالفات القانونية والحقوقية في مختلف الجوانب الحياتية، بخلاف المحبة التي تجعل المجتمعات الإنسانية تقوى وترتقي وتزدهر في كل المجالات، ويسود من خلالها العدل والمساواة والإنصاف والأمن والسلام.
فالمحب لوطنه لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه مبغضاً وكارهاً لمكوناته، الطائفية أو المذهبية أو العرقية، فالقلب الإنساني الطاهر السليم لا يجتمع فيه الحب والكراهية البغيضة في كل الأوقات، فلنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة في الحب والمودة للإنسانية جمعاء، لقد مارس (ص) الحب والمودة بأسمى صورهما في غزوة أحد، عندما جاء إليه الأمين جبرائيل (ع) بعد أن أثخن جسده الشريف بالجراحات القاتلة، وقال له أدعُ عليهم يا رسول الله (ص)، ماذا كان جوابه (ص)؟ هل دعا عليهم أم دعا إليهم؟ كان يقول بقلب مطمئن واثق بأن الحب والمودة هما مفتاح لكل خير، اللهم أهدِ قومي، إنهم لا يعلمون، فكان يطلب من الله تعالى بإلحاح هدايتهم ولم يطلب هلاكهم، على رغم أنهم كان يقصدون قتله وإنهاء حياته الشريفة.
هل تجدون أيها الأعزاء قلباً أكبر من قلب رسول الله (ص) منذ وجود الإنسان على هذه البسيطة إلى قيام الساعة؟ لم ولن تجدوا من الأولين والآخرين قلباً عامراً بالحب والمودة يستوعب كل البشرية بمختلف تلاوينهم وانتماءاتهم ومشاربهم كقلب رسول الله (ص)، أليس الواجب علينا أن نقتدي برسولنا الكريم (ص) في أخلاقه وتواضعه وحبه ومودته لكل البشرية؟ لنرتقي بأنفسنا وبمجتمعاتنا وأوطاننا، مادمنا جميعاً نقر ونعترف بأن الكراهية ليست محمودة في الإسلام ولا عند العقلاء الأسوياء الأصحاء، نفسياً ومعنوياً، نأمل من الذين يحملون في قلوبهم الكراهية على إخوانهم في الوطن والإنسانية أن ينتبهوا من غشوتهم، وينزعوا الأحقاد غير المبررة من قلوبهم، وأن يستغفروا ربهم ويعودوا إلى إنسانيتهم وألا يؤجلوا حسابهم إلى اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وليتذكر جيداً قول الله تعالى «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» (الرحمن: 26، 27)، ويتذكر أن الحياة ليست باقية لأي أحد من البشر، لابد أن يأتي اليوم الذي يغادر فيه هذه الدنيا الدنية، تاركاً أعماله الخيّرة والسيئة تحددان مصيره في الآخرة، وعليه أن يتذكر قول الله تعالى لسيد الخلق وإمام المرسلين محمد بن عبدالله (ص)، قال تعالى «إنك ميت وإنهم ميتون» (الزمر: 30)، نسأل الله أن يجعل قلوب كل الناس عامرة بالمحبة والمودة لكل الإنسانية، وأن يبعدهم جميعاً عن شرور الكراهية البغيضة.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5262 - الخميس 02 فبراير 2017م