أنقذوا الطفل جواد
حسن المدحوب
hasan.madhoob@alwasatnews.comكانت الصدفة وحدها هي ما قادني إلى أن أعرف الطفل جواد، فلم يتصل والده أو والدته بنا في «الوسط»، وليس لي سابق معرفة به أو بأهله، لحظات تلك التي كنت أتصفح بها موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، لأجد أمامي صورة لهذا الطفل الجميل، كتب تحتها «أنقدوا الطفل جواد»، ولم يكن فضول الصحافي هو ما قادني لتتبع موضوعه، بل كان حس الأب هو الذي دفعني دفعا لأن أقرأ قصته وأبحث عن تفاصيلها، وأذهب بلهفة لرؤية هذا الطفل الرائع في منزله، محاطا بوالده وأخته وأخيه الصغيرين.
كانت مرة يتيمة تلك التي زرته فيها في منزله، ولم أخرج إلا ونفسي تحمل من الأسى والحزن الكثير، ليس إشفاقا عليه، ولا حسرة على حال أسرة رائعة، انقلبت حياتها رأسا على عقب بسبب قدر الله وقضائه، بل لأن هذه المعاناة تحدث في هذه الأرض، وهذا الوطن الذي يحمل الكثير من الخير، ولكنه للأسف، خير يذهب غالبا ألى غير أصحابه وأهله.
ما أثار دهشتي، هي تلك العزيمة والإصرار التي قابلني بها والده عندما سألته عما إذا كان مترددا بالتبرع بكليته لولده جواد، لأنه أجابني بضرس قاطع، أنه يحلم بهذا اليوم الذي تنتهي به معاناة طفله، حتى لو كان ثمنها كليته، وجدت الحب والفرح في عينيه وهو ينطق بهذه الكلمات أمامي، فهل يصدق أحدنا أن هناك إنسانا ما غاية سعادته تكمن في اقتطاع كليته من صدره ومنحها لإنسان آخر؟
جواد بلغ أربع سنوات، عاش أغلبها بلا كليتين، بسبب مرض نادر أصابه بعد ولادته بأسابيع قليلة، مرضه لم يصبه فقط، بل أصاب كل اسرته، أمه وأباه وحتى أخوته الصغار، لأنه قلب حياتهم رأسا على عقب، معاناة أصعب من أن توصف في كلمات تكتب هنا، والمؤسف أن علاجه موجود، ولكنه غير مسموح به له، لأن من يملك القرار في علاجه، يفكر بمقدار المال الذي سيصرف عليه، أكثر مما يفكر في حق هذا الطفل في الحياة كباقي الأطفال.
من المعيب في بلد الخير، أن يترك طفل بحريني أبا عن جد مثل جواد بلا علاج، بحجة أن علاجه مكلف، وأن الموازنة لا تسمح بتحمل نفقة علاجه في الخارج، ثم يتم إبراز حجج مختلفة من أجل عرقلة علاجه، فما قيمة المال مقابل إنقاذ حياة الناس وإنهاء عذاباتهم، وهل سيقبل أولئك أن يتم التعامل معهم ذات الطريقة فيما لو أصيب ابناؤهم بذات المرض لا قدر الله؟
قبل أسابيع، غادر دنيانا الطفل الجميل خليفة، لأن علاجه تأخر، مع أنه كان بالإمكان أن تنقذ روحه البريئة من بين يدي الموت، لو لم يتم التعامل مع طفولته بمنطق الدينار، وها نحن اليوم نرى جواد يتألم وخلفه عائلته تعاني، من دون أن تلين قلوب الجهات الرسمية لذلك، وكأن قيمة الإنسان في هذا البلد أرخص من حفنة دنانير أو دولارات، تصرف الملايين منها على أمور ليست بذات الأهمية والانسانية!
عندما نفد إلى الله، سيسألنا عن كل أعمالنا، وروح هذا الطفل أمانة بين يد كل أصحاب القرار، وسيسألون عنها، حيث هناك حساب ولا عمل، ولكل إنسان ما كسبت يداه، وأنا على ثقة أنه إذا كانت الأبواب الحكومية مغلقة، فإن باب الله لا يغلق، لأن رحمته وسعت كل شيء، لذلك ندعو كل أهل الخير، ان يبدأوا حملة لإنقاذ روح جواد، وثقتنا بأهل البحرين جميعا كبيرة، فكلنا آباء وأمهات، نعرف أن حياة أطفالنا لا تقابلها كل أموال الدنيا.
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 5303 - الأربعاء 15 مارس 2017م