الحرب على الصناديق الخيرية
كانت وزارةً واحدةً تضم العمل والشئون الاجتماعية، وتم تقسيمها في أحد التغييرات الوزارية قبل أربع سنوات. وفيما استقل شطر «العمل» بشئونه وهمومه، أصبح شطر «التنمية الاجتماعية» وسيلةً لخلق الأزمات.
الأزمة الأولى بدأت قبل أربع سنوات ولم تنتهِ بعد، وهي تحويل «الصناديق الخيرية» إلى «جمعيات»، وهو إجراءٌ شكليٌ تماماً، فيما لو توفّرت للطاقم الجديد بالوزارة رغبةٌ بتيسير الأمور. وهكذا فُرضت حربٌ على الصناديق والمؤسسات الخيرية، استهلكت الكثير من الجهد والوقت، وانتهت إلى لا شيء.
الأزمة الثانية في صيف 2009، حين صُودرت الحصالات من مراكز التسوّق، وتم ترويع أصحاب البرادات الصغيرة والكبيرة، لدفعهم لعدم السماح بوضعها وإلا سيتم ملاحقتهم! واستنزفت هذه الحرب الكثير من الجهد والوقت، من المتطوعين العاملين بهذه المؤسسات الخيرية. وكان الطاقم الوزاري يريد تسجيل عدد حصالات كل الصناديق وأماكن توزيعها، بشكل شهري. وهو إجراءٌ تعجيزي وغير عملي حتى بالنسبة للوزارة، فهي تحتاج في هذه الحالة إلى ضعف عدد موظفيها حالياً للقيام بتلك المهمة الفارغة. والنتيجة انتهت هذه الزوبعة كما تنتهي الفقاعات، وعادت الحياة إلى طبيعتها، فلا يصح إلا الصحيح.
الأزمة الأخيرة اختلقها الطاقم نفسه الشهر الماضي، بتجميد أرصدة 36 صندوقاً خيرياً، أي ما يعادل 45 في المئة من المؤسسات الخيرية. ومثل هذا القرار غير المسئول، له الكثير من التداعيات والعواقب السلبية. فأول المتضرّرين الطبقة الفقيرة، التي توقفت عنها المساعدات الشهرية، وهي كتلةٌ بشريةٌ تزيد على خمسين ألف نسمة على أقل تقدير، إذا أخذنا بالحسبان وجود عشرة آلاف أسرة تتلقى مساعدات هذه الصناديق الخيرية بانتظام.
تجميد الأرصدة يعني شلّ هذه المؤسسات نهائياً، وإيقاف جميع أعمالها الجليلة، من مساعدات تعليمية وتطبيب وترميم وشراء أدوية وأجهزة كهربائية. بل هناك طلابٌ مستجدون في الجامعة سجّلوا للكورس الجديد اعتماداً على مساعدات الصندوق، ووجدوا أنفسهم أمام قرار يعطّل انتظامهم بالدراسة ويهدد مستقبلهم الدراسي.
الصناديق الخيرية لديها موظفون أو موظفات، عادةً لأعمال السكرتارية ومتابعة القضايا والبحوث والاتصال اليومي بالعوائل. هؤلاء لم يتقاضوا راتب الشهر الماضي، ولن يتقاضوا راتب الشهر المقبل أيضاً إذا استمر هذا القرار المتخبط وغير المسئول.
الصناديق الخيرية التي يجهل الطاقم الإداري بالوزارة دواخلها، عليها التزاماتٌ ماليةٌ تجاه الدولة، فهي تدفع فواتير الكهرباء والماء؛ وخطوط الهاتف والفاكس والإنترنت لشركة الاتصالات. القرار غير المسئول يمنع الصناديق من أداء وظائفها، ويراكم عليها الديون والفواتير والالتزامات.
الأسوأ من كل ذلك، أن هذا القرار المتخبط وغير المسئول، يمنع إيداع أية شيكات أو تبرعات أو مبالغ مالية في الحسابات المجمّدة حالياً، وهو أكبر ضررٍ تلحقه الوزارة بهذه المؤسسات. وهو ما دفع بعض الإدارات للتفكير في رفع قضيةٍ ضد الوزارة لمقاضاتها على كل هذه الأضرار التي سبّبتها.
تجربة الصناديق الخيرية، وأقولها من وحي تجربةٍ ومتابعةٍ لصيقةٍ منذ سنوات، تستحق أن تُقدّم كتجربةٍ بحرينيةٍ خالصةٍ في مجال التنمية المجتمعية، خصوصاً لجهة دعم الدراسة الجامعية لأبناء الأسر الفقيرة، بما يسهم في كسر حلقة الفقر المفرغة.
هذه الشجرة المثمرة التي استوت على سوقها، تُعجِب الزرّاع، ما عدا وزارة التنمية التي أخذت على نفسها عهداً بأن تضع في طريقها العقبات، وتختلق لها الأزمات. إنها وزارةٌ تحتاج إلى علاجٍ إداري وخطة إنقاذ.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2966 - الأربعاء 20 أكتوبر 2010م الموافق 12 ذي القعدة 1431هـ