تخيّل تكون ماشي في أمان الله، وفجأة تشوف واحد ماشي في الشارع بيوزّع دهب !
مش الأيام دي أكيد لأ
الكلام ده حصل من 258 سنة، وتحديدًا سنة 1765م، هنا في شوارع القاهرة..
أمير چركسي من أُمراء مصر اللي انفرَد بولايتها تحت سُلطة الدولة العُثمانية بعد خيانته لـ (علـي بك الكبير)، ورغم دوره السياسي الخطير اللي قام بيه، إلّا إن نهايته كانت مأساوية..
محمد بك أبو الدهب..
بدأت حكايته سنة 1761م، لمّا اشتراه علي بك الكبير وبقى مملوك من مماليكه، واهتم بيه اهتمام كبير جدًا، وكان من أقرب الناس ليه، وبمرور الأيام مكانته بدأت تبقى مُهمة في المجتمع، فـ مثلًا تولى منصب الخازندار
(مسئول خزانة الدولة)، أو وزير المالية حاليًا، وبقى لقبه محمد الخازندار..
كُل ما ثقة علي بك الكبير كانت بتزيد فيه، كان بيقرّبه منه أكتر، لحد سنة 1765م لمّا منحه لقب أمير، وقلّده (الصنجقية) بمعنى إمارة أو مُقاطعة ويبقى هو مسئول عنها، وقتها القرار دا كان في حفلة في القلعة، لبس فيها محمد بك الخِلعَة، ومن شدة سعادته بمنصبه الجديد وزّع على الناس دهب وهو راجع بيته، ومن هنا بقى معروف بـ: محمد بك أبو الدهب.
مين كان يتخيّل إنه بعد كل دا يبقى خاين!
سنة 1771م، تولّى قيادة جيش كبير لفتح سُوريا، بأمر من علي بك الكبير، وبعد ما قدر يفتح دمشق، قال لنفسه طب ليه مانفرِدش بالحُكم كله!.. فـ من هنا بدأت خيانته، وتفاوض مع الدولة العُثمانية على خيانة علي بك الكبير مُقابل إنه ياخد مكانه لكن تحت سيطرة العُثمانيين، فـ يرجع نفوذهم مرة تانية..
وبالفعل.. سنة 1772م، بدأت الحرب بين محمد بك أبو الدهب، وعلي بك الكبير، واللي انتهت بمَقتل علي بك سنة 1773م، ورجعت بعدها مصر ولاية عُثمانية بقيادة محمد بك أبو الدهب.
أمّا نهايته، فـ كانت في الشام، أوائل سنة 1775م، وقتها كان رايح يحارب الظاهر عُمر نصير علي بك، ويقرّب أهل الشام منه، لكن اللي ماكانش في الحسبان إنه يموت هناك، بعد إصابته بالحُمى لمدة 3 أيام محدش كان عنده علم فيهم بمرضه إلّا بعض خواصه، لحد ما تم دفنه، ورغم موته ودفنه، إلّا إن دي ماكانتش النهاية، بسبب كراهية أهل الشام ليه،
وهنا بيقول الجبرتـي:
ولمّا تحقق عندهم أنهم دفنوه في بعض المواضع، أخرجه أهل البلاد، ونبشوه، وأحرقوه، فغسّلوه وكفّنوه ولفّوه في المشمعات وارتحلوا به طالبين الديار المصرية.
النهاردة محمد بك أبو الدهب مدفون في مصر، في الجامع اللي بناه لنفسه سنة 1773م، في حي الأزهر، شارع الإمام محمد عبده بسوق التبليطة، واللي في الأصل كان مدرسة من أهم المدارس اللي بيتم تدريس العلوم المُختلفة فيها واللي احتوت على أكتر من 600 كتاب في شتى الفنون، دا غير إن مُلحق بالمدرسة تكية للمتصوفين، وسبيل وحوض لشرب الدواب..
حكاية محمد بك أبو الدهب حكاية غريبة، تحمل الوجه والوجه الآخر، والأغرب فيها إن رغم خيانته، لكن تم وصفه بالشكل دا: شهمًا، حازمًا، مُحبًا للخير، يحترم العلماء ويُقربهم من مجلسهِ، ولم يُعرَف عنه ما يشينه في دينه، وكان يُباشر الأحكام بنفسه.
الصورة لجامع محمد بك أبو الدهب .