المفارقة ما بين صدام حسين وسلفادور اللندي
في 11 سبتمبر/ ايلول 1973 قام قائد الجيش التشيلي الجنرال زوغستو بينوشيه بانقلاب مدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وشركات أميركية في مقدمتها شركة (ATT) على حكم الرئيس الاشتراكي سلفادور اللندي.
الرئيس سلفادور اللندي هو الرئيس الشرعي المنتخب، وصل الى الحكم من خلال انتخابات عامة نزيهة على رأس الكتلة الشعبية التي ضمت عدة أحزاب أهمها حزبه الحزب الاشتراكي التشيلي والحزب الشيوعي التشيلي والنقابات الرئيسية. الولايات المتحدة والتي كانت تعتبر تشيلي ملحقا بها، ولاحتكاراتها مصالح ضخمة في مناجم النحاس والاتصالات وغيرها، حرضت القيادة العسكرية بقيادة الجنرال بينوشيه على القيام بانقلاب دموي ضد الحكومة الشرعية.
الرئيس سلفادور اللندي رجل مدني لم يعرف عنه الخبرة العسكرية ولا ظهر في الصور وهو يحمل بندقية او يصوب مدفعا، لكن الرئيس اللندي، وعندما بدأ قصف قصر الرئاسة (المونيدا) لم يهرب ولم يختبئ ولم يدخل في مساومة على رغم ان الجنرال بنيوشيه عرض عليه الخروج من البلاد. الرئيس اللندي حمل بندقية كلاشنكوف واعتمر خوذة وقاتل مع معاونيه حتى أستشهد وعلى رغم نجاح انقلاب بنيوشيه وسيطرته على الحكم لأكثر من 27 عاما، فقد انهزم في النهاية اضطر ان يفسح المجال امام انتخابات عامة، جاءت بالاشتراكيين مرة ثانية الى الحكم وقد كان سلفادور اللندي ملهما للجماهير التشيلية في نضالها ضد طغمة بنيوشيه. واليوم يقبع بنيوشيه في زاوية النسيان بينما اعيد الاعتبار لسلفادور اللندي، واطلق أسمه على كثير من الشوارع والساحات والمدارس.
الرئيس صدام حسين وصل ايضا الى الحكم ولكن عن طريق انقلاب عسكري على حكم الرئيس عبدالرحمن عارف في 17 يوليو/ تموز 1968، لم يكن حكم الرئيس عارف شعبيا ولم يكن الرجل ذا حنكة سياسية أو مؤهلات قيادية، وهذا ما مكن الانقلابيين في النجاج وانفتحت امام صدام حسين وحزب البعث فرصة تاريخية لتأسيس حكم وطني مزدهر، وخصوصا انه لم يكن امامه خصوم اقوياء، كما توافرت له ثروات هائلة وفي مقدمتها ثروة النفط. وكانت الظروف مثالية بعد التوصل الى اتفاق مع شاه ايران لحل مشكلتي الاكراد وشط العرب، فدانت العراق وارتفع رصيده وطنيا وقوميا، وخصوصا بعد غياب القائد العربي جمال عبدالناصر.
ولكن ماذا ما فعل صدام حسين بالعراق وجيران العراق والعرب؟ الكل يعرف الحكاية ولا داعي لتكرارها.
ما نريد طرحه هنا هو صورة صدام كما كرسها وكرسها حزب البعث، وسلطته. الرجل الخارق، المقدام، البطل، الرمز الى آخر القائمة التي تجاوزت صفاته المئة كان يجب على هذا الرجل ان يقود المنازلة الاخيرة كما سماها هو ضد الاشرار الاميركان وحلفائهم، ولكن ما حدث معاكس تماما. لم ينتحر التتار الجدد على اسوار بغداد، استولى الاميركان على بغداد من دون مقاومة.
مرة أخرى روجت الآلة الدعاوية، انه يقود المقاومة وكما اكد هو وان الاميركان سيندحرون في النهاية، هل من المعقول ان شخصا مثل صدام انطبقت صورته ليس في العراق بل في العالم ان يختفي وان يقود المقاومة من مخابئه! لقد ثبت ان ذلك مستحيل فالرجل كان يقع في ايدي الاميركان أما آجلا أو عاجلا أو ان ينتحر، والذي حدث انه لم ينتحر ولم يكن مطلوبا منه ان ينتحر، فالجندي ناهيك عن القائد يجب ان يقاتل أو يؤسر. لكن صدام لم يقاتل واستسلم.
ليست هذه شماتة في صدام وما يمثل وليست هذه تزكية لاحتلال العراق من قبل اميركا وجرائمها ضد الشعب العرقي بل المقصود مقارنة بين قائدين في قمة السلطة، سلفادور اللندي ابن الشعب وقائده والوفي له، وصدام حسين الذي وصل الى الحكم بانقلاب دموي، واستمر في الحكم بسلسلة من المجازر ضد شعبه وحروب ضد جيرانه فانتهى به الامر معزولا وقد تخلى عنه الجميع، منزويا في حفرة ظلماء وحيدا للأميركان.
ليست هذه المرة الأولى يدفع فيها شعب عربي ثمن حماقة حاكمه، والذي يترك شعبه لقدرة فهل تكون الاخيرة؟ وهل يعتبر الحكام العرب المستبدون بنهاية صدام البائسة؟
عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 470 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ