صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

هناك محاولات حالياً لتصوير الأسر الحاكمة لمصر المستقلة في العصور الوسطى انها كانت معا-دية للآثار المصرية القديمة ومن سيا-ستها تدمير الآثار المصرية القديمة لأسباب دينية وعرقية وغيرها
 وذلك أمر لاعلاقة له بالتاريخ والمنطق كما سنرى في المقال 


بداية إن الآثار المصرية القديمة لم يكن يعرف العالم كله بأهميتها التاريخية والعلمية التي تستحقها منذ ان فقدت اللغة المصرية القديمة في القرن السادس الميلادي ، وظلت كذلك حتى سنه ١٨٢٢ مع فك العالم الفرنسي شامبليون لرموز اللغة المصرية القديمة 
ولايوجد دليل اكبر من كتابات المؤرخين في العصور الوسطى والتي يغلب عليها الخر-افة 
مثل كتابات المقريزي والسيوطي عن الأهرامات 
وكتابات القاسم بن يوسف التجيبي وذكريا القزويني عن ابوالهول 
واكبر دليل على عدم معرفة المصريين بالآثار المصرية القديمة وقيمتها التاريخية والفعليه في العصور الوسطى
هو قول المؤرخ القاسم بن يوسف التجيبي حينما قال عن ابو الهول في كتابة " مستفاد الرحلة والاغتراب " 
" إن المصريين يزعمون أنه طلسم للريح، وانه لو ذهب لأتلفت الريح مصر " 


ولكن مع ذلك لم تكن هناك سياسة تدمير-ية متبعة 
لأغراض دينية او عرقية أو غيرها مما يروج لها البعض
فأمام محاولة العزيز عثمان بن صلاح الدين لهدم واحد من الأهرام الصغيرة لأستغلال حجارتة في مشاريعة العمرانية 
ومحاولة صلاح الدين نفسه لأخذ حجارة بعض الأهرامات الصغيرة المتهد-مة لبناء قلعة القاهرة 
هناك دلائل كبرى تدل على ان تلك الحالات لم تكن سيا-سة متبعة ولم تكن لأسباب دينية وعرقية وغيرها كما يروج البعض 
فيقول المؤرخ عبداللطيف البغدادي وهو نفس المؤرخ الذي ذكر محاولة صلاح الدين وابنة عن سياسة حكام مصر في عدم المساس بالآثار المصرية
فيقول في كتابة " الإفادة والاعتبار "
" ومازالت الملوك تراعي بقاء هذه الآثار وتمنع من العبث فيها والعبث بها، وان كانوا أعداء لأربابها وكانوا يفعلون ذلك لصالح منها لتبقى تأريخاً ينتبه بها على الأحقاب "


ومن دلائل صدق حديث عبداللطيف البغدادي هو سياسة الفاطميين تجاه الآثار المصرية القديمة
فقد خصص الفاطميون بيوتاً للتحف التاريخية سموها " خزائن " كخزانة الجوهر، وخزانة الأسلحة، وخزانة الفرش 


بل إن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، أنشأ متحفاً اثرياً ضم فيه العديد من الآثار القديمة توفرت فيه أهم خصائص المتاحف الأثرية ، ويعتبر هو اول نموذج لمتحف في التاريخ 


إن محاولات هد-م اي أثر قديم في مصر لم تكن قاصرة على الآثار المصرية القديمة ، بل كانت تخص اي منشأ يستطاع الإستفادة من اعمدتة وغيرها 
وكان هذا المنشأ من الممكن جدا ان يكون معبدا رومانيا او يونانيا والناظر للمساجد في العصر المملوكي كمثال التي بنيت اعتمادا على الآثار القديمة سيجد اغلبها من معابد رومانية وبطلمية مثل مسجد الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة والذي اعمدتة مأخوذه من اطلال معبد روماني 


ولم تكن محاولة الهد-م هي هدم بالمعنى الحرفي بل كانت اعادة تدوير لبناء مهد-م في الغالب 
وكانت من الأساس ليست لأسباب دينية او عرقية وغيرها بل كانت لأسباب اقتصادية
فبدل ان يكلف الحاكم اموالا كثيره لبناء معابد ونحت احجار يأتي بها من اطلال معبد قديم وتلك كانت نظرة بعض الحكام الذين لهم يدا في هذا الموضوع 
ويؤكد على ذلك الكلام الأستاذ الدكتور محمد عبدالودود عبدالعظيم المتخصص في الآثار الإسلامية والبيزنطية من جامعة اثينا
فيقول " في اوروبا والبلدان الإسلامية كان ينظر إلى المناطق الأثرية باعتبارها مناطق مقفرة وموحشة لا يستفيد منها الأحد، ومن ثم كانت هناك اعتبارات اقتصادية في الاستعانة بأحجارها ومكوناتها "


إن هد-م آثار السابقين لم يكن سياسة تخص الاقدميين فقط فالفاطميين هد-موا اغلب المنشأت الإخشيدية والمماليك منهم من هد-م المنشأت الفاطمية 


والمصري لم يكن يعرف قيمة أثارة وتاريخها في العصور الوسطى ولم يهدف الى دراستها الا نادرا
ويؤكد على ذلك الكلام 
الأثري الكبير الدكتور علي حسن موسى في كتابة 
" الموجز في علم الآثار "
فيقول " دراسة الآثار القديمة لم يعرفها الأقدمون ولم يهدفوا إليها ، بل هي ثمرة من ثمرات المدنية الأوروبية الحديثة، وظهرت أولى خطوات تلك الدراسة في أول الأمر في جمع التحف المختلفة "


واما عن المحاولات البائسة لتصوير الإسلام كعد-و للآثار القديمة فهي ادعائات ليس لها اي اساس
فالإسلام كدين لم يأمر بهد-م الآثار القديمة بل نادى بالنظر إليها واستلهام العبر منها
ويؤكد على ذلك الكلام الأستاذ الدكتور محمد عبدالودود عبدالعظيم فيقول نصيا
" رغم ما شهدته العصور الإسلامية من انتشار لتدوير الاثار، إلا أنّه كان أقلّ مما كان عليه الأمر في أوروبا، فالإسلام كدين لم يأمر بهدم الآثار القديمة بل نادى بالنظر إليها واستلهام "


وأما عن محاولات تصوير الطولونيين والمماليك وغيرهم من الأسر الحاكمة لمصر المستقلة
انهم كانوا يفعلون ذلك لأصولهم الأجنبية
فذلك ادعاء غير تاريخي وغير منطقي 
فكيف للأسر التي اعتبرت نفسها مصرية واعتبرها المصريين مصرية وتم ذكرهم كمصريين في كل الكتب المعاصرة لهم ان يفعلوا ذلك لأصولهم 
وهم مصريين الإنتماء والنشأه والميلاد.


 ‏واخيرا إنه لأمر غاية في الغرابة والغير منطقية انه لأجل افعال أشخاص معددون كانوا لايعرفون من الأساس قيمة الآثار وتاريخها واستخدموها لمنشأت معمارية مصرية ، يعني اعادوا تدويرها من الأساس ولم تكن سياسة ارض محر-وقة كما يصور البعض
 ‏ان لذلك يتم سحب مصرية كل الأسر الحاكمة لمصر في العصور الوسطى فما علاقة تلك النظرة الغير تاريخية بإنتماء ومواطنة اسر مصرية صميمة 
 ظهر منها العظماء في تاريخ الأمة المصرية
ولو مشينا على نفس المنطق اذا الرئيس جمال عبدالناصر غير مصري لأنة ارسل معابد كاملة لدول اجنبية مصر ولم يعد حتى بإعادة تدوير بالرغم ان في وقت الرئيس ناصر كان المعرفة بالآثار المصرية في اوجهها وهناك وسط علمي مصري في مرحلة صعود .


إن النظر لفترة تاريخية يجب ان يكون من وجهة نظر تاريخية قائمة على العلم والدليل ، وليس بنظرة عصرية عرقية .
 ‏
المصادر : 
كتاب الموجز في علم الآثار صفحة ٣٣ و٣٤ 
كتاب متاحف الآثار صفحة ١٣
كتاب موجز علم الآثار 
"كيف تجاهل الأوروبيون أنساق الآثار الإسلامية، وكيف تعامل المسلمون أنفسهم مع آثارهم"للدكتور ثروت البطاوي 


#المؤرخ_المصري
#القومية_المصرية