ماذا حصدت الجمعيات السياسية من التنسيق؟
عبدعلي الغسرة
صحيفة الوطن - العدد 1804 الخميس 18 نوفمبر 2010
بدأت الجمعيات السياسية الوطنية والقومية الليبرالية تراجع موقفها مؤخراً من عملية التنسيق والتحالف مع جمعية الوفاق، وكان أول الغيث هو موقف جمعية التجمع القومي الديمقراطي حيث أعلن أمينها العام الدكتور حسن علي العالي وقف أي تنسيق وتحالف مستقبلي مع هذه الجمعية.
وهو موقف سياسي ووطني جداً رائع، وطالما حذرناه وكذلك الأمين العام السابق من مغبة هذا التحالف الذي لا يجمع الجمعيتين أي رباط، فالتجمع القومي تجمع وطني قومي يتميز بالثوابت والمبادئ العربية القومية الأصيلة، مؤمناً بالوحدة العربية، وبالديمقراطية وبحرية الرأي والتعبير، وتتوافق سياسته ومواقفه مع مشروع الإصلاح الذي بدأه ويقوده جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بينما جمعية الوفاق هي على النقيض من ذلك، إضافةً إلى موقف الجمعيتين من الموقف السياسي في العراق، فالتجمع القومي الديمقراطي يعتبر ما حدث في العراق هو احتلال، وهو يدعم المقاومة العراقية الباسلة، بينما الوفاق يعتبر ما حدث في العراق هو تحرير وديمقراطية، وهو جزء لا يتجزأ من الفصائل الحاكمة اليوم في العراق، فعلى أي خط تلتقي الجمعيتان.
وعليه، لم يكن التحالف الذي كان يجمع بين الجمعيات السياسية الوطنية منها والقومية مع الوفاق وفاقاً، لا في المبدأ ولا في المسار السياسي الصحيح، وكيف تلتقي الوطنية والقومية مع الطائفية؟ وكيف تلتقي التنظيمات المنظمة مع التنظيم المبعثر؟ وما هي جوانب الالتقاء معها؟ وماذا استفادت هذه التنظيمات الوطنية والقومية من تحالفها مع الوفاق؟ الوفاق كحركة دينية تشتغل بالسياسة لا تمتلك من حجمها إلا الكم البشري، ويفقد الكثير من هذا الكم التنظيم السياسي المنظم، والوعي الفكري، كما يتمتع أغلبية كوادره وعناصره وأتباعه بالجانب العاطفي والطائفي شأنهم شأن الجمعيات الدينية الأخرى التي تشتغل بالسياسة.
بينما تتمتع الحركات الوطنية والقومية الأخرى كجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) والمنبر التقدمي الديمقراطي والتجمع القومي الديمقراطي بتاريخ سياسي عريق على الساحة البحرينية والعربية، وكوادر هذه الجمعيات هي من أفضل الكوادر السياسية في منطقة الخليج العربي، فهي جمعيات مؤسسة على الفكر الوطني والقومي. فما الذي جمع بين هؤلاء وتلك؟ فما هي نقطة الالتقاء بينهم؟
لقد كانت بدايات التنسيق بين هذه الجمعيات المختلفة أيديولوجياً ونهجاً صعباً، ففي البداية اتفقوا على مقاطعة انتخابات ,2002 وهي خطوة لم تكن في صالح هذه الجمعيات، وكانت حجتهم في ذلك الاختلاف على الدستور؛ وفي 2006 اتفقوا على المشاركة في الانتخابات التي تم تنظيمها تحت شرعية دستور 2002 الذي اختلفوا على صياغته ووجوده، وادعوا جميعاً ''أن مشاركتهم في الانتخابات لا تعني اعترافهم بدستور 2002!!، فالمشاركة شيء والانتخابات شيء آخر!!''، وكان من المفروض ديمقراطياً أن يتم التنسيق بين هذه الجمعيات جميعها في عملية المشاركة في انتخابات ,2006 إلا أنه ومع الأسف فردية الوفاق واستئثارها بالدوائر الانتخابية المغلقة أفسد ذلك التنسيق، وحصدت من هذا المسلك غير الديمقراطي 17 مقعداً نيابياً في انتخابات ,2006 و18 مقعداً نيابياً في انتخابات ,2010 والغالبية من المقاعد البلدية في الفصلين التشريعيين.
هذا الحصاد هو نتاج ذلك التنسيق الوهمي وهو نتيجة السير في الاتجاه المعاكس للعمل السياسي الصحيح، فالتنسيق الانتخابي الديمقراطية ليس شيئاً وارداً في رؤية ومنهج الوفاق، فهي في الحقيقة أرادت التمتع السياسي بالجمعيات السياسية في المواقف التي تخلق التأزم مع الدولة، وفي الأمور التي تفسد العلاقة بين الدولة والشعب، وفي تنظيم المسيرات والاعتصامات التي تؤجج الشارع وتجعل منه أداة لنهج الوفاق وأهدافها. فأي ديمقراطية هذه؟
قد يقول قائل إننا نتباكى على عدم نيل هذه الجمعيات أي مقعد نيابي أو بلدي، وقد يقولون أيضاً أن هذه الجمعيات تريد مد العون لها من الوفاق ومساعدتها، ولكن في الحقيقة فنحن نتباكى على حظ هذه الجمعيات العاثر الذي أوقعها في فخ التنسيق مع جمعية الوفاق، وقد يكون عدم نيل المقعد البرلماني أو البلدي مكسباً للجمعيات السياسية التي لم تعرف لحد الآن كيف تستخدمه وتترجمه على أرض الواقع؟ وحتى إن حدث أن مدت الوفاق العون لهذه الجمعيات فهو عون له أهدافه في جعل ممثلي هذه الجمعيات في البرلمان والبلدي أداةً لها وتعمل تحت ظلها ونهجها.
إن التهميش الذي حصدته الجمعيات السياسية الوطنية والقومية من تنسيقها الأسود مع الوفاق يتطلب اليوم موقفاً معاكساً جداً لهذا التنسيق، أولاً وهو تشكيل قوى وطنية عريضة تجمع بين هذه الجمعيات السياسية ''التجمع القومي، وعد، المنبر التقدمي، الوسط العربي، وجمعيات أخرى'' والتي تؤمن بالنهج الوطني والقومي والتي تنبذ الطائفية في مشروعها السياسي، قوى وطنية تجمع كل الوطنيين والقوميين والدينيين المعتدلين عقيدة وأسلوباً، قوى تمثل حقيقة الشارع الوطني البحرين، المؤمن بالميثاق الوطني، وبأن مشروع الإصلاح الوطني لجلالة الملك هو أساس العمل الوطني. إن العمل على تشكيل هذه القوى ليس مطلباً فقط بل هو خيار إستراتيجي للشعب البحريني ولهذه القوى السياسية. وثانياً الابتعاد عن القوى الطائفية المتحكمة في الشارع الوطني هو أحد أسس العمل الوطني، والعمل على اجتثاثه وتحميله مسؤولية ما يحصل في البحرين من إرباكات واضطرابات سياسية.
نتمنى أن تلحق الجمعيات السياسية الأخرى بجمعية التجمع القومي الديمقراطي في تنقية نفسها من شوائب جمعية الوفاق، وأن تعيد قراءة موقفها السياسي الذي يتناسب مع الشارع البحريني الوطني، ونقول للجميع ليست هناك أي ملفات مشتركة بين الوفاق وبين هذه الجمعيات، فإذا كان الأساس ضعيفاً فإن البناء لن يتماسك أبداً