جعفر الخابوري المراقب العام
عدد المساهمات : 11020 تاريخ التسجيل : 16/02/2010 العمر : 54
| موضوع: صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري السبت يوليو 22, 2023 11:31 am | |
| اجتماع الأمناء العامين.. الاختبار الأخير للكف عن إعادة إنتاج ذات الخراب
بقلم: فهمي شاهين - عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
وإن جاء متأخراَ جداَ، إلا أن الاجتماع الطارئ للأمناء العامين للفصائل والقوى الفلسطينية الذي دعا له الرئيس محمود عباس عقب العدوان على مدينة جنين ومخيمها، بالغ الأهمية. جاءت هذه الدعوة بعد أن كان الاحتلال قد حسم خياراته التي استعد لها، وشرع في تنفيذها منذ فترة طويلة، نحو تصفية الهوية والقضية الوطنية للشعب الفلسطيني، والنيل من إرادة كفاحه ووحدته، بما في ذلك استغلاله لحالة الانقسام والعمل على تعميقه، وإغلاقه مبكراَ كل أفق لأي عملية سياسية، من خلال توسيعه وتصعيده للحرب المفتوحة التي يشنها بأشكال مختلفة على شعبنا، وخاصة بعد صعود قوى اليمين الفاشي في دولة الاحتلال، وأبرزها تنامي مخاطر الضم الذي يستهدف أراضي الضفة الغربية، أو ما أمكن منها، وتوسيع وارتفاع وتيرة الاستيطان وأعمال المصادرة والنهب، والتطهير العرقي والتهويد، وخاصة في مدينة القدس، وعمليات الاغتيال والقتل والتدمير، واستمرار حصار وفصل قطاع غزة، ومحاولة الإبقاء عليه وكانه "منطقة غير معرفة".. الخ.
في ظل ذلك كله، ومع ضرورة إجراء مراجعة نقدية جريئة للتجربة والمستجدات على الصعد كافة، بما في ذلك كيفية التعامل مع المتغيرات الهائلة التي يشهدها العالم والمنطقة، ومكانة القضية الفلسطينية ذاتها، فإن الأكثر أهمية من إنعقاد اجتماع الأمناء العامين، هي طبيعة القضايا المباشرة التي تستوجب طرحها وتناولها بعمق وجدية، وفي مقدمة تلك القضايا:
· حماية الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني وروايته التاريخية، بالتوازي مع حماية مكتسباته الوطنية والديمقراطية، وتعزيز وحدته ووحدة نضالاته.
· تعزيز الصمود الوطني لشعبنا ومعالجة قضاياه المعيشية وهمومه، وتكريس حقوقه الاجتماعية والديمقراطية.
· حشد طاقات شعبنا في مختلف أماكن تواجده، وتحديد أولوياته الوطنية، وتوحيد الجهود المطلوبة لمجابهة المخاطر على قضيته الوطنية ومصالحه العليا، حاضرا ومستقبلاَ.
· حماية وتعزيز تمثيله السياسي الموحد من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، كجبهة عريضة تضم الكل الوطني الفلسطيني وقائدة نضال شعبنا التحرري.
ورغم ضرورة تناول تلك القضايا والهموم في اجتماع الأمناء العامين، كأولويات فلسطينية تستدعي البحث الجدي بمسؤولية وطنية عالية، سيبقى السؤال الأهم، فيما سيتمخض عنه هذا الاجتماع "المحتمل" من مخرجات، لا رمادية، أو أيّ التباس فيها، وتؤدي فعلياَ إلى موقف وطني موحد على كل الأصعدة، يقطع أسباب الانهيار والتفكك والتشرذم وهدر الطاقات وكل عوامل وظواهر أزمة الوضع الفلسطيني، ويجسد حقاَ حاجات الشعب الفلسطيني ويشد من عضده، وهو ما يتطلب سرعة التوافق السياسي على القضايا والمهام الأساسية والعاجلة، ونلخصها بالتالي:
· أولاَ: التطبيق الفوري لقرارات المجلسين الوطني والمركزي المتتالية منذ العام 2015، خاصة ما يتعلق بضرورة إنهاء العمل بالاتفاقات مع دولة الاحتلال وما يترتب عليها من التزامات، بما في ذلك سحب الاعتراف بدولة الاحتلال وحكومتها، والمضي فعلياَ في تنفيذ قرار "وقف كل أشكال التنسيق الأمني" الذي سبق وان أعلن عنه، والقطع مع أي مساعي لإعادة إنتاج المرحلة الانتقالية التي جلبت وأورثت العديد من الكوارث لشعبنا. · ثانياَ: اعتماد إستراتيجية وطنية موحدة، سياسية وكفاحية، تقوم على استنهاض عوامل القوة الفلسطينية وتحديد الأولويات الوطنية لشعبنا في المرحلة الراهنة، وفي مقدمتها العمل على:
أ) حشد كل الطاقات للدفاع عن شعبنا ومقدراته وأرضه، ووضع برامج عمل وآليات شاملة لمجابهة وإفشال مخططات الاحتلال وعصابات مستوطنيه، وكذلك مقاومة كل مظاهره وممارساته العدوانية، وذلك انطلاقا من أن القضية والمهمة المركزية لشعبنا تتمثل في إنهاء الاحتلال بكل مظاهره وتعبيراته، وتحقيق هدف الاستقلال الوطني وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ب) اعتبار وحدة مكونات الشعب الفلسطيني ووحدة وتكامل نضالاته، ومواجهة محاولات وواقع تجزئته، واحدة من الأولويات الوطنية لمجابهة المخاطر والتحديات القائمة اليوم أمام شعبنا.
ت) التوافق على خطاب سياسي وإعلامي موحد، وتعزيز الرواية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية لدولة الاحتلال، وفي مواجهة ماكينة الإعلام التضليلي المنحاز لها.
ث) التوافق على الأشكال الأكثر ملاءمة وتأثيراَ لنضال شعبنا ومقاومته لعدوان وسياسات الاحتلال المختلفة، بما يوفر ويعزز الحاضنة السياسية والشعبية لهذا الشكل أو ذاك، ويسمح بتطوير أدواته الكفاحية بصورة فاعلة وموحدة وبمشاركة مختلف القوى والقطاعات الشعبية، وكذلك بما يضمن تكامل مسارات النضال الفلسطيني ويراعي خصوصية كل ساحة من الساحات، دون تعارضات غير مبررة، وعلى قاعدة تجنيد واستنهاض كل طاقات شعبنا، وابتداع آليات مساهماته في النضال الوطني. هذا طبعا إلى جانب أشكال النضال السياسي والدبلوماسي.. الخ. وفي هذا الشأن، نرى أن الحالة الفلسطينية الراهنة تقتضي بضرورة تعزيز ودعم المقاومة الشعبية بكل أشكالها، وصولاَ لانتفاضة شعبية شاملة ضد الاحتلال، كونها الشكل الأبرز والممكن حالياَ لضمان أوسع مشاركة جماهيرية لقطاعات شعبنا المختلفة، وهو أمر يتطلب بناء جبهة وقيادة موحدة لها، إلى جانب توسيع وتعزيز كل أشكال مقاطعة الاحتلال ومنتجاته ومؤسساته على الصعيدين الرسمي والشعبي.
ج) إعادة صياغة وظيفة ودور السلطة الوطنية وأولوياتها على كل المستويات، وفي المجالات كافة، وتحديد صلاحياتها في إدارة حياة شعبنا في الأراضي الفلسطينية، بما لا يمس مكانة ودور وصلاحيات (م. ت. ف)، وإلزام السلطة بتغيير منهجها الحكومي ورسم سياساتها واتخاذ إجراءاتها وفق أولويات الصمود الوطني لشعبنا والقدرة على البقاء، وبما يشكل ذلك رافعة للنضال والمقاومة الشعبية، وتعزيز مقومات ذلك عبر اعتماد سياسات اجتماعية واقتصادية تؤدي إلى تقليص الفجوات الطبقية الحادة بين شعبنا، وضمان وفرة وتطوير الخدمات الأساسية له، وخاصة في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والزراعة والعمل والاقتصاد الوطني، ومعالجة همومه وقضاياه اليومية، وحماية وتكريس حقوقه وحرياته الديمقراطية، بما يتوافق تماماَ مع وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق الدولية التي انضمت لها دولة فلسطين. هذا إلى جانب الحاجة الملحة لإعادة توزيع الأعباء الناجمة عن شح الموارد الوطنية المتاحة من جهة، وعن تبعات وآثار إجراءات وسياسات سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، من جهة ثانية.
· ثالثاَ: سرعة وضع القضايا الفعلية التي ما زالت تبقي على حالة الانقسام الفلسطيني، وتعيق الالتزام بما سبق وجرى التوصل إليه من اتفاقيات للمصالحة الوطنية، ومعالجة الخلل المنهجي الواضح في عدم الالتزام بإنهاء هذا الانقسام بكل مظاهره وما ترتب عليه من نتائج في كل المجالات، ومن ثم إعادة تأكيد أو تعديل هذه الاتفاقيات على أساسها، والشروع الفوري بتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، تقوم على قاعدة إغلاق ملف الانقسام وتكريس المصالحة، وتكون في مقدمة أولوياتها، العمل على تنظيم وتوحيد المؤسسات الفلسطينية، والتحضير للانتخابات العامة (رئاسية وتشريعية).
· رابعاَ: استعادة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة تحرر وطني وجبهة وطنية عريضة، وتفعيل وتطوير أداء مؤسساتها بما في ذلك اللجنة التنفيذية، وتوسيعها وفقا لاتفاقات المصالحة وعلى قاعدة صريحة بإنهاء الانقسام، والالتزام في الثوابت السياسية والرؤية الاجتماعية والديمقراطية التي تضمنها إعلان الاستقلال، وكذلك الالتزام بمتطلبات الشراكة الوطنية وأسسها على قاعدة العمل الجبهوي والديمقراطي، وتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وإلى العودة لممارسة الدور المركزي في قيادة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال ونحو التحرر والاستقلال.
· خامساَ: إعادة رسم وصياغة خارطة التحالفات الفلسطينية بناء على مواقف كل دولة وكل حركة سياسية من الاحتلال وممارساته كافة، وعلى التزامها بمبادئ القانون الدولي إزاء القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا، وعلى أساس الاستفادة من التغيرات النوعية التي يشهدها العالم والإقليم، تحت وابل المعارك السياسية والعسكرية والاقتصادية، والاصطفافات المستجدة وتقسيمات العالم والمنطقة الجيوسياسية الجديدة، مما يفتح فرصة لاستثمار ذلك لصالح قضية شعبنا الوطنية، وهو الأمر الذي يتطلب الاستعداد الجدي له وتوفير متطلباته الكفيلة بالاستفادة من هذه الفرصة.
إن جدية وصدقية أي مسعى وحتى - استباقي - للتوافق على هذه الأولويات والمهام لإخراج الوضع الفلسطيني من حالته الراهنة ومعالجة أزماته وتصليب جبهته الداخلية، ومجابهة جرائم وسياسات الاحتلال وما تحمله من مخاطر على شعبنا وقضيته، يتطلب قبل كل شيء، توفر الآتي:
أ) إرادة سياسية جمعية متحررة من اعتبارات المصالح الشخصية والفئوية والسلطوية، ومن ضغوط المحاور الإقليمية والدولية.
ب) مناخات سياسية واجتماعية إيجابية، بما في ذلك توقف كل الأطراف السياسية المتنفذة عن انتهاك كرامة وحقوق المواطنين والحريات العامة في الأراضي الفلسطينية كافة، وفي مقدمتها الكف نهائياَ عن أية اعتقالات سياسية وملاحقات واستدعاءات لمواطنين ونشطاء واعتقالهم تعسفياَ أو على خلفية الرأي والتعبير والانتماء السياسي، والإفراج الفوري عن كل هؤلاء المعتقلين، ووقف حملات التحريض والتعبئة الإعلامية المتبادل، ومنع أية أفعال توتيرية؛ كالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة أو الأشخاص من جميع القوى والمؤسسات. وكذلك العمل بجدية على تكريس الحريات الديمقراطية المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني وفي وثيقة إعلان الاستقلال.
ت) التزام وطني جماعي من كل الأطراف بما يتم التوصل إليه، وبإلاستحقاقات المترتبة على ذلك.
في رأينا هذا هو الاختبار العملي، للكف عن إعادة انتاج ذات الخطاب والخراب وربما الإختبار الأخير، للبرهنة على تحمل ولو الحد الأدنى من مقتضيات المسؤولية الوطنية، بعيداً عن تحويل الاجتماع كمحطة جديدة من "العلاقات العامة" والارتجال والمزايدات والشخصنة والفئوية، وعن الاستهلاك الإعلامي وهدر الوقت واستمرار المراوغة والرهانات الفاشلة.
| |
|